الإيمان (أولاً) حالة نفسية وليس كلمات على اللسان، بل هو ذلك التردد في الطاقة الروحية صعوداً وسلوكاً. وهو (ثانياً) يعتبر منبعاً للطاقة لا ينضب، فمع كل انهيار نفسي يلجأ الإنسان إلى هذا الخزان الكوني المطلق ليملأ طاقته ويشحذ همته لتحمل الصدمات والألم والمعاناة بما فيها صدمة الموت. وهو (ثالثاً) آلية تخلع معنى على الحياة، وبدونه تصبح عبثية تقود إلى التفاهة والانتحار. والإيمان (رابعاً) محبة ومشاركة مع الخالق العظيم وكائناته، مما يعطي دفعاً هائلاًً لتقدير الحياة والتمسك بها والمحافظة عليها والتواصل بها مع الآخرين. وهو (خامساً) يوسع نافذة الرؤيا، فيصبح اليقين باليوم الآخر وملائكته مدخلا لمعرفة الفرد بأن الوجود ليس فقط ما يصل إليه بحواسه، وهذا يرفع الشعور إلى مستوى القداسة ويجعلنا نفهم الحياة على أنها أكبر بكثير مما نتصور، مما يخلع رحابة غير عادية على الوجود وشعوراً بوجود قوة مطلقة لانهاية لحكمتها وعدلها ورحمتها. والإيمان (سادساً) يزيد وينقص في مؤشر لا يعرف التوقف طالما كنا نمارس الحياة، وهذا يدعونا لشحذ هذه الآلية التي يمكن أن تصل إلى أقصى درجات التوتر والنقاء وأن يخالطها لبس فتخسر الأمن وتصبح الحياة معها ضنكاً: «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون». والإيمان (سابعاً) يغير السلوك ويفيض على المشاعر فيكسو تعبيرات الوجه مسحة نورانية: «سيماههم في وجوههم من أثر السجود». والإيمان (ثامناً) يمثل ضرورة نفسية. روى هذا بشكل واضح «جيفري لانج» في تجربته الروحية عندما كان مسيحياً فأصبح ملحداً ثم تحول إلى الإيمان وعرض تجربته مع القرآن والمسلمين في كتابه «الصراع من أجل الإيمان» بعد أن اطلع على القرآن الكريم الذي قال عنه إنه يتضمن تحليلا عميقاً للنفس الإنسانية؛ فقبل أن تبدأ في عرض مشاكلك عليه يقوم يفاجئك باطلاعه على خبايا النفوس من شكوك واستشكالات، وبقدر ما كان القرآن له هادياً ومنيراً كان المسلمون يفاجئونه بعاداتهم التي يحسبونها من الإسلام! و(تاسعاً) الإيمان أمل دائم والكفر يأس مقيم والقنوط ضلال مبين. وهو (عاشراً) يفتح منافذ الفهم، والكفر يسد مسالك الحواس ويغلق منافذ الفهم والاتصال بروح الكون وقوانين الطبيعة. من هنا استخدم القرآن لفظ «الكافر» بمعنى الزارع في سورة الحديد: «كمثل غيث أعجب الكفَّار نباته». والإيمان (حادي عشر) هو مسألة اجتماعية وسياسية، فالتوحيد ليس مسألة ثيولوجية غيبية، بل أرضية سياسية، وذلك كونه يؤسس مجتمعاً أفقياً لا يتخذ الناس فيه بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله. وهو ما حققه الغرب سياسياً إلى حد كبير، بينما غرق العالم الإسلامي في وثنياته الاجتماعية والسياسية. إن الدين يريد العدل وبقدر ما يحقق المؤمن العدل بقدر ما يقترب من الله. فبعد أن أذل الزعماء شعوبهم فعبدتهم، انتقلت الشعوب إلى الصفر المطلق فسلط الله عليها أمماً تحمل من «التوحيد» السياسي أكثر من «مظهر» الإيمان عند قوم لا يفهمون دينهم. و(أخيراً) هناك علاقة جدلية ما بين الطقوس والإيمان واجتماع الناس، وكل دين له طقوس تخصه فيجب أن لا يعيب أحد على أحد طقوسه الإيمانية. إنها اثنا عشر كوكباً من الأفكار في الإيمان وجدليته.