ما زلنا نحفظ للقائد المؤسس المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، قولته الشهيرة «لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبيّ الذي يحق لنا أن نفخر به، ونحافظ عليه، ونطوّره، ليبقى ذخراً لهذا الوطن وللأجيال القادمة». وهي وصية ينبغي أن تصبّ في أي استراتيجية للتمكين الإعلامي نحاول صياغتها ضمن رؤية الإمارات، فخصوصية الثقافة الإماراتية تتميز عن غيرها من الثقافات في المنطقة والعالم، بحكم معدلات التطور والحداثة والتقدم وعوامل أخرى حدثت لها خلال مشوار تنميتها المستدامة، وهو مشوار لم يقطعه شعبنا وقيادته الرشيدة إلا بشق الأنفس وبالجهد والعرق، لهذا فإن البحث في الحفاظ على خصوصيتنا الثقافية يحتاج بادئ ذي بدء إلى ترسيخ معاني هذه القيم والمبادئ، وترجمتها إلى سلوك مشترك لجميع أبناء شعبنا. لقد اقترح «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» قبل نحو عامين بعض المقترحات وقدمها إلى «مبادرة التلاحم الوطني المجتمعي» في إطار صياغة مسوّدة مشروع «ميثاق الهُويّة الإعلامية الوطنية» وكان من أبرزها ما يتعلق بالحفاظ على الهوية والتاريخ من خلال التعريف بدولة الإمارات العربية المتحدة، تاريخها ومسيرتها التنموية، وخططها المستقبلية، ونشر المعلومات الصحيحة حول قيمها الثقافية ومكوناتها الحضارية والإنسانية، وعلى جميع الصُّعُد، فضلاً عن الحفاظ على التراث الثقافي والفكري والإنساني لشعبنا، وتحصين منظومة القيم الدينية والأخلاقية والتقاليد والموروثات المجتمعية ضد الأفكار والتيارات الثقافية الهدّامة، والانحرافات الاجتماعية، وكذلك تبنّي سياسات اتصالية وإعلامية تعزز قيم التماسك والتكافل الاجتماعي ليكونا جزأين من الهوية الوطنية، وأن يكون هناك دور للمؤسسات الإعلامية لاحتضان الأفكار البنّاءة والمواهب الوطنية الشابة، باتجاه تعزيز الإبداع الذي يصبّ في خدمة الهوية الوطنية ومسيرتها وبالتالي تمكينها، وأن يكون من مسؤولية وسائل الإعلام كافة الوطنية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية عدم السماح بتمرير أي رسائل اتصالية ذات أثر سلبيّ يمكن أن تهدد بناء المجتمع ووحدته وتماسك نظامه الاجتماعي، وفي حال كان الأمر من الخارج، فيتعيّـن على وسائل إعلامنا وقيادات الرأي ومثقفينا تفنيد مثل هذه التهديدات ودحضها ومواجهتها وكشف مخاطرها، والتهديدات هنا قد تكون على شكل شائعات، أو أكاذيب وافتراءات وقصص مفبركة، أو أخبار تخدم أجندات أجنبية مشبوهة، أو معلومات ملفقة على أساس أنها تاريخية! وتكون ذات أهداف سياسية ماكرة كإثارة النعرات والضغائن العرقية والطائفية والدينية، أو بث ما يمكن أن يؤثر سلبياً في الروح المعنوية لشعبنا، وكذلك لابد من التركيز على سمات الفخر الوطنيّ من خلال إبراز سمات الشخصية الإماراتية في المحتوى الإعلامي المنتج محلياً، وتناقل هذه السمات إعلامياً بين الأجيال جميعها، كسمات الإيثار، والتسامح، واحترام القانون والنظام والآخرين من بني الإنسان، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار الاجتماعي، واحترام الأديان والمعتقدات، وتدعيم الصلة بين المواطنين وتاريخهم وثقافتهم وقيمهم الحضارية من جهة، والمجتمع وقيادته الحكيمة، من جهة أخرى، كل ذلك تعزيزاً للولاء الخالص للهويّة الوطنية وللتلاحم الوطني والمجتمعي. وكذلك يجب تعزيز الصورة الذهنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى أبناء شعبنا وفي الخارج بأنها دولة إنسانية متطوّرة، وعالم مصغر يعيش في كنفه مختلف الأديان والأعراق، في استقرار اجتماعي واقتصادي عزّ نظيره، تحت رعاية القانون العام وحمايته، ومبادئ العدل والمساواة والتسامح واحترام الآخر، بل إيجــاد وعــي جمعي مفاده أن الولاء للوطــن ومصلحته العليا فوق كل اعتبار، ويفــوق الولاء للعائلة والقبيلة والمنطقــة، وأن الهويّة الوطنية هي «الوطن الجامع والحاضن لكل الأسر والقبائل والمناطق، على حدّ ســواء، من دون تمييز». ـــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.