أولاند يجدد الالتزام الأوروبي... ودروس انتعاش الاقتصاد الياباني بداية تغير سياسة فرانسوا أولاند الأوروبية، وخيار ترشح رفسنجاني للرئاسيات الإيرانية، ودروس الانتعاش الاقتصادي الياباني، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أولاند وأوروبا نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان «أولاند: أخيراً، عرض فرنسي من أجل أوروبا»، قالت فيها إن الرئيس الفرنسي أبدى خلال مؤتمر صحفي عقده في هذا الأسبوع قدراً من الاهتمام والالتزام تجاه مشكلات الاتحاد الأوروبي المالية والاقتصادية يمثل عملياً نوعاً من القطع مع سياسة المقعد الشاغر التي كان يتبعها منذ انتخابه في قصر الأليزيه قبل سنة من الآن. وفي هذا التوجه الجديد رسالة تطمين من أولاند للأوروبيين، وللألمان بشكل خاص، وهم الشريك الأكبر والجانب الآخر من المحرك الألماني- الفرنسي الذي يعتبر هو القرص الصلب للمشروع الأوروبي برمته. ولكن مع ذلك تبدو توجهات الرئيس الآن كما لو أنها تذكير بتوجهاته حين كان أميناً عاماً للحزب الاشتراكي، وكان يتميز من الغيظ بسبب انقسام مواقف اليسار الأوروبي بشأن استفتاء عام 2005. وقد جاءت الآن رغبته في الدخول في شد وجذب «ودي» مع ألمانيا، أيضاً ضمن توجه عام كرره أمام الفرنسيين منذ شهر مارس الماضي. وفي التفاصيل قال أولاند في مؤتمر صحفي هذا الأسبوع: «إن مهمتي هي إخراج أوروبا من كسلها»، مؤكداً على أنه «مع تحفيز التنافسية، وليس مع زيادة الإنفاق... وضد النظرة التي لا ترى اليسار إلا وهو يزيد الضرائب». ولكن هذا الخط الجديد، تقول الصحيفة، يمر حتماً عبر اتخاذ تدابير لا تزال جوفاء، وغير كافية. كما يقتضي اجتراح مشروع أوروبي فعال ومؤثر. وقد أوضح أولاند أن على فرنسا أن تكون بمثابة «همزة وصل» بين شمال أوروبا وجنوبها، والقصد من هذا هو التأكيد على نبذ أي مسعى لتكتيل وتعبئة أوروبا اللاتينية، الجنوبية، ضد أوروبا الجرمانية، الشمالية. وهذه بادرة جيدة، لأن الدخول في استقطاب داخلي أوروبي، والاشتباك السياسي مع ألمانيا، ليس فقط رهاناً مجازفاً وإنما هو أيضاً ضار بالمشروع الأوروبي نفسه. وأكثر من هذا أن تجنب الاصطدام مع ألمانيا لا يخلو أيضاً من واقعية سياسية، لأن مدريد وروما، تفضلان في النهاية التفاوض مع برلين والتفاعل مع مطالبها المالية، بدلاً من الانخراط ضمن تكتل مهمته ليّ ذراعها، أو الدخول معها في صراع إرادات. والراهن أن أولاند عرف أن الطريق إلى قلب أوروبا يمر من برلين، ولذلك قرر العزوف عن استراتيجية مضايقتها بالاعتراض على سياسات التقشف القاسية التي تفرضها ميركل، سائراً في هذا الجنوح لخطب ود الشركاء الألمان على نهج سابقيه مثل محاولات ساركوزي الحثيثة في سنة 2008 للتقارب مع ميركل، بشأن إصلاح وضع شركة إيرباص. وقبل ذلك احتاج شيراك إلى أربع سنوات لكي يصل في سنة 2002 إلى قناعة بضرورة وقف المواجهة السياسية مع شرويدر بشأن السياسة الزراعية. وترى لوموند مع هذا أنه لا توجد حتى الآن أية مبادرة فرنسية- ألمانية لحل مشكلات أوروبا الضاغطة اليوم، ولكن الاعتراف أخيراً بخطأ توجه دام سنة، من المناكفة مع الشريك الألماني، يبقى مكسباً على كل حال. أما صحيفة لوفيغارو فقد نشرت افتتاحية للكاتب «إيف تريار» بعنوان «لعبة أولاند الصغيرة» قالت فيها إن الرئيس الفرنسي يلعب الآن بتكتيك جديد، فقد بدا موقفه من التقشف كما لو أنه يتغير بشكل جذري، كما أعاد إثارة موضوع تصويت الأجانب، وهو موضوع من الموضوعات المعقدة في السجال السياسي، وإن كان أيضاً أثيراً إلى قلوب الاشتراكيين منذ طرحه الرئيس الأسبق ميتران قبل أكثر من ثلاثين سنة. وأولاند يعرف أيضاً في قرارة نفسه أنه لا يملك الأغلبية الكافية في البرلمان لتمرير موضوع شعبوي مثل هذا في الجمعية الوطنية. وفي سياق متصل أيضاً اعتبرت صحيفة لومانيتيه في عنوان افتتاحية لها أن «أولاند يطلق عام التقشف الثاني» في إحالة إلى ما جاء في خطابه في قصر الأليزيه في 15 من الشهر الجاري، وما ورد فيه من توجهات وخيارات اقتصادية، مؤكدة أن القطاع العريض من ناخبي اليسار الفرنسي، وخاصة من الشرائح الشعبية الأقل دخلاً، الذين اختاروه في مثل هذا الشهر من العام الماضي، وتجاوبوا بحماس مع شعار «التغيير الآن» الذي رفعته حملته، يشعرون الآن في حلوقهم بخيبة أمل مريرة. ترشح رفسنجاني في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب بيير روسلين أن خيار ترشح الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني (89-1997) ضمن ماراثون ترشيحات الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في 14 يونيو، يمكن أن يقلب قواعد اللعبة، لأنه سيمثل عملياً تحولاً حاسماً في تاريخ البلاد. فهذا السياسي الذي يعتبر بمثابة ناطق بلسان تيار «الإصلاحيين» يتمتع بميزات ومؤهلات لا تقارن معها مؤهلات المرشحين الآخرين. ويقول الكاتب إن رفسنجاني، 78 سنة، يعتبر أحد الآباء المؤسسين للنظام، ولذلك فليس مطلوباً منه أية براهين تزكية. كما أنه ليس لديه الكثير مما يمكن أن يخسره، وهو الذي اغتنى في عهد الملالي، قبل أن يقع في خانة غير المرضي عنهم، بعد اختلافه مع مرشد الثورة خامنئي، القائد الأعلى، الذي لعب رفسنجاني أصلاً، دوراً في إيصاله إلى القمة. ومع هذا فشخصية رفسنجاني قد لا تبدو لأول وهلة هي المرشح الأكثر مناسبة لآمال وتطلعات المعسكر الإصلاحي. فهو ثري للغاية، ومحافظ، وقد ظل لفترة مديدة أحد وجوه الطبقة السياسية السائدة. ومن المعروف الآن أن العقوبات قد أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني، والبلاد تحت تهديد قصف إسرائيلي محتمل، إذا استمرت في برنامجها النووي العسكري، يقول الكاتب. كما أن النظام قلق من نتائج الحرب في سوريا، ويرغب في تفادي سابقة انتخابات عام 2009، وما تبع فوز الرئيس نجاد من اضطرابات وتجاذبات سياسية. ومن هنا يبدو خيار ترشح رفسنجاني مطروحاً باعتباره سياسياً براجماتياً، وأحد أنصار اقتصاد السوق، كما أنه يميل إلى حل على الطريقة الصينية للحفاظ على النظام. ويتوقع أن يستطيع إيجاد حل أيضاً مع الغرب، لتخفيف الخناق على البلاد. ولكن، هل سيتجه الناخبون إليه باعتباره المرشح الوحيد القادر على رفع التحديات الهائلة التي تواجه إيران الآن؟ وهل يكون القائد الأعلى نفسه هو من سيقف خلف هذا الخيار؟ أم أنه يضطر لقبوله، لغياب البدائل؟ وفي المقابل، عل يتم استبعاد رفسنجاني في النهاية، لأن عودته تهدد كثيراً من المصالح المكتسبة؟ إن السياسة الإيرانية أكثر تعقيداً بكثير من أن يتم التوصل إلى إجابات قاطعة حول هذه الأسئلة، الآن. ولذا فستبقى معلقة برسم تطورات الأسابيع المقبلة. النمو الياباني نشرت صحيفة لوموند تحليلاً بعنوان «اقتصاد اليابان ينطلق: درس لأوروبا» قالت فيه إن ثمة خبراً ساراً قادماً من بلا الشمس المشرقة، مؤداه أن ثالث اقتصاد في العالم بدأ الآن يخرج من سباته العميق، فقد دلت إحصاءات هذا الأسبوع على أن الأداء الاقتصادي الياباني بدأ يتحسن بشكل ملحوظ، وفي هذا درس يتعين على أوروبا الاستفادة منه. وقد كان من المعتاد خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تلقي أخبار سيئة ذات صلة بالتراجع والكساد، وانخفاض معدلات النمو اليابانية، بل إن الدَّين العام وصل إلى نسبة 245 في المئة من الناتج الوطني الخام، دون أن ينفي هذا مع ذلك أن اليابان ظلت على الدوام أحد أغنى بلدان العالم. ومنذ مجيء رئيس الوزراء الحالي شينزو آبي إلى السلطة في شهر ديسمبر الماضي، وهو يسعى لإخراج بلاده من واقع التراجع الاقتصادي، ودعم استقرار معدلات الأسعار وفي الوقت نفسه دعم استقرار ثمن صرف «الين» للمحافظة على قوّته، وقد تمكن بتدابير عديدة، من خفض معدلات التضخم، وتحقيق نتائج ملموسة، هي ما بدأت الإحصاءات الآن تسجله من تحسن اقتصادي متواتر، على رغم اختلاف مقاربته مع مقاربة محافظ مصرف اليابان المركزي، الذي اتبع هو أيضاً سياسات نقدية قوية ومؤثرة بدأت تؤتي أكلها كذلك. إعداد: حسن ولد المختار