فيما مضى كانت شركة «جوجل» تنشغل بأمور تبدو حميدة، ومدفوعة بتحقيق الربح مثل: الموضع الأمثل للإعلانات الرقمية الخاصة بالعقاقير الجديدة، ووضع خريطة لجميع المباريات الرياضية (أي التي يتم فيها عرض مباريات كرة القدم على شاشات التلفزيون) في أميركا، وتقديم سيل من الخدمات المجانية التي تهدف في الحقيقة لتعزيز سيطرتها شبه الكلية على الفضاء الافتراضي العالمي. ولكن الأمر لم يعد كذلك الآن، فمنذ ما يزيد على عامين، وفي الوقت الذي انشغلت فيه بعض الحكومات بالإعداد للدخول في قضايا منع احتكار ضد شركة «جوجل»، كانت الشركة تتحرك بجسارة لاقتحام أراضي الدول. فـ«جوجل» اليوم حسبما يقال باتت واحدة من أقوى «اللاعبين غير الدولاتيين» نفوذاً في الشؤون الدولية، حيث عمل في الوقت الراهن في النطاقات الأمنية التي كانت دوماً حكراً على الدول- الأمم (الدول القومية). فهي، على سبيل المثال لا الحصر، تقوم في الوقت الراهن بتعقب تجارة السلاح الدولية، وإنفاق الملايين على إنتاج أدوات للتنبيه في حالة الكوارث، أي لإخبار الجمهور عن الكوارث الطبيعية الوشيك، ورصد انتشار الإنفلونزا، والعمل كمراقب عالمي مهمته حماية المصالح الأميركية في الخارج. ليس هذا فحسب، بل إننا نجد أن «جوجل» تتدخل الآن في النزاعات الحدودية بين الدول، وهو واحدة من أكثر القضايا التي تواجه الدول من حيث الحساسية، ومن حيث تداعياتها الأمنية بالنسبة للدول. ولم يقتصر دور «جوجل» على ذلك بل رأيناها تقف إلى جانب قضايا السكان الأصليين في غابات «الأمازون» البرازيلية بقصد مساعدة القبائل، التي تعيش هنا على توثيق، وتقديم الأدلة التي تمتلكها عن التعديات، التي تقع على أراضيها من خلال خدمتها الشهيرة «جوجل إيرث». وفي حين يتطور الدور الذي تلعبه «جوجل» على الساحة العالمية، فإن السؤال الجوهري هنا ليس ما إذا كانت الدول قادرة على تنظيم «جوجل»؛ وإنما ما إذا كانت تلك الدول قادرة على المنافسة مع المنصة التقنية العالمية التي يمثلها جوجل أم لا؟ ومما يرجح ذلك أن «جوجل» قد خرجت سالمة ومن دون أن تمس تقريباً من التهديد الخاص بتدخل الدولة. وأبرز غزوات «جوجل» داخل نطاقات الدول هي تلك التي تمت تحت راية مركز« Google Ideas » أفكار جوجل»، والذي يمثل المركز الفكري/ العملي لجوجل. وقد بلغ من تأثير ذلك المركز أن «جوجل» تعاونت من خلاله مع سلطات الولايات المختلفة لتفكيك ما يطلق عليه الشبكات غير المشروعة مثل كارتلات المخدرات ومنظمات المتاجرة بالبشر، كما تعاون مع حكومة الولايات المتحدة من خلال ذراعها الإذاعي» صوت أميركا» في إجراء أول» مسح دستوري عن طريق الهاتف» في الصومال. ليس هذا فحسب بل أن جوجل انتزعت لنفسها دوراً في الحرب ضد الإرهاب العنيف. فعن طريقه شبكتها المسماة» شبكة مكافحة الإرهاب العنيف» ستتمكن «جوجل» من تحفيز مناقشة عالمية، ومحاربة التطرف لدى الشباب والعمل كمحطة لإعادة صياغة قضية مناوئة التحول الراديكالي، أطلقت عليها مجلة وايرد «فيسبوك من أجل الإرهابيين». وقد حظيت تلك المحطة بثناء من النخبة السياسية في الولايات المتحدة التي اعتبرتها نموذجاً لما يمكن أن تقوم به «جوجل» على نحو أكثر سلاسة بكثير، مما تقوم به الحكومات في سلسلة من الدراسات المختصرة حول « مستقبل العالم»، وردت في كتاب «العصر الرقمي الجديد، إعادة صياغة مستقبل الشعوب، والأمم، والأعمال» لمؤلفيه اريك شميدت وجارد كوهين. يقول المؤلفان «إن الجمهور سيطلب أن تقوم شركات التقنية ببذل المزيد من الجهد في الحرب ضد الإرهاب». وفي أحد مواضع الكتاب يتساءل الكاتبان: هل هناك لاعب غير دولي لديه قدرة على الوصول إلى «مجلدات ضخمة من البيانات» أكثر من جوجل؟ وفي الحقيقة أن «جوجل» التي تنفر عادة من التنظيم واللوائح، قد لا يكون هناك مفر أمامها من دخول مجال مكافحة الإرهاب والتعاون بكل ما تملكه من إمكانيات مع الدولة. ينبغي ملاحظة أن هذا الكلام قد كتب قبل أن يقع حادث بوسطن، وقبل أن يتم الفحص، والتدقيق على كل مقطع مصور على الإنترنت شاهده أو قام بتنزيله «تامرلان تسارنييف» على موقع يوتيوب، بحثاًَ عن أي أدلة على تحوله إلى التطرف. وفي كتابهما «العصر الرقمي الجديد»، المشار إليه آنفاً يتساءل «شميدت وكوهين»: إلى حد ستسمح الدول لجوجل بالتحول إلى شبه دولة؟ وباعتباره كياناً عالمياً لا حدود له ما هي الميكانيزمات المتاحة أمام مستخدمي «جوجل» الذين يقدرون بالمليارات في مختلف أنحاء العالم، التي يتمكنون من خلالها بمحاسبته في حالة أي تجاوز أو خطأ؟ صحيح أن «جوجل» يسمح للمستخدمين بتنزيل بيانات شخصية وسجلات نشاط من على مواقعه المخصصة لذلك، ولكن ذلك يختلف عن الحالة التي يكون لدى هؤلاء المستخدمين كلمة في تحديد الكيفية التي يمكن لجوجل استخدام نفس البيانات بها؟. ووجهة نظر شركة «جوجل» بشأن لوائح الدولة ليست سراً بكل تأكيد. فالموضوع الجوهري في كتاب «شميدت» و«كوهين»، هو «أهمية اليد البشرية الهادية»، وهي صياغة بارعة في الحقيقة للتشبيه الذي استخدمه آدم سميث منذ قرون في معرض الإشارة للأسواق الحرة، والذي ما زال حتى اليوم ينشط مناقشاتنا وسجالاتنا التي لا نهاية لها حول الدور الصحيح للدولة في تنظيم الاقتصاد. لم يشر شميدت وكوهين في كتابتهما على الإطلاق لجوجل تحديداً على أنها هي تلك «اليد البشرية» التي يحتاجها العالم اليوم، ولكن بالنسبة لشركة لم تكن متواضعة في أي وقت، ولم تخاف أبداً من الدخول في مجال السعي الحثيث لصيانة الأمن العالمي، من الصعب عدم تخيل أن ذلك هو ما كانا يقصدانه بالفعل. ------- مايا فريزر كاتبة أميركية متخصصة في شؤون العلوم والتقنية -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»