في ذات الوقت الذي كانت فيه المحكمة تضج بما يثير الاستغراب والتّعجّب، كانت جامعة الإمارات العربية المتحدة بمدينة العين خلية نحل تضج بحركة الشباب اليافعين الذين ينشغلون بالتحضير لندوة بذلوا فيها قصارى جهدهم لتخرج بالشكل المذهل الذي يعبّر عن أبناء الوطن الذين غرسهم زايد وتعهدهم خليفة بالرعاية والاهتمام. الوقت هو ذات الوقت... والقاعتان المتباعدتان في المواقع تشتركان في بعض الملامح منها تلك الإمكانيات الكبيرة، التي وفرتها الدولة في مبانيها، والتي تعبّر عن مدى اهتمامها بالإنسان. ففي قاعة المحاضرات بجامعة الإمارات توافرت إمكانيات يسبقها طلاب تعهدتهم الدولة كبقية مواطنيها منذ أن كانوا أجنّة في بطون أمهاتهم بالرعاية الصحية والمتابعة اللصيقة التي وفّرت أمامهم كل سبل التعليم العالمية المتاحة، وها هم يتحرك بعضهم هنا ويلتف بعضهم هناك، منهمكين في أداء ما توزعوه بينهم من أدوار للخروج بالندوة إلى شكلها الذي عبّر عن عنوانها الذي اختاروا له مسمى «وعد للوطن»، وجاءوا بمحاضرين من أبناء الوطن الذين سبقوهم بالتجربة وتفيؤا ثمار الوطن الحاني الذي لم يبخل على مواطنيه ومقيميه وحتى الشعوب الأخرى في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، محققاً ما رسمه مؤسسوه وقادته الحاليون من نموذج عصري مثّل معجزة القرن الحديث، معلنين في الوقت ذاته أن أهداف الوطن وحبّه ومكتسباته ومجتمعه خطوط حمراء لا تقبل التجاوز. بينما في قاعة المحكمة التي ضمّت موقوفي التنظيم الإخواني المتأسلم توافّرت كل السبل الإنسانية من رعاية صحية متنقلة، ومقاعد مريحة ضمّت أهالي الموقوفين وبعض الفئات الاجتماعية والمجتمعية التي خرجت مذهولة بقدر الشفافية المطلقة، ومنح الحقوق كاملة للموقوفين، الذين أذهلوا الجميع بتغيير أقوالهم دون مواربة أو منطق أو خجل، ورموا نيابة الدولة التي عاملتهم بكل ما يليق بالإنسان من معاملة طيبة، بالكذب وتحريف أقوالهم. المقارنة بين الموقفين المتزامنين تدعو بالفعل للحيرة والتعجّب، ولكنها في الوقت ذاته تعبّر تماماً عن واقع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتدحض افتراءات المفترين، وتقارير المضللين الذين يحاولون بشتّى السبل النيل من سمعة ومكتسبات الدولة، فالتعذيب الذي حاول بعض المستهدفين الترويج له، دحضته الحالة الصحية التي ظهر بها الموقوفون في جلسات المحاكمة، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تشدّقت بها بعض المنظمات التي تدّعي العمل في مجالات حقوق الإنسان دحضتها تماماً تلك اللهجة المطمئنة التي يتحدث بها الموقوفون الذين أذهلوا الجميع في جلستهم الأخيرة. وبينما يتناول طلاب جامعة الإمارات في قاعة محاضرتهم كل نقاط التوافق بين الجيل المحاضر وجيلهم الذي يدير تلك المحاضرات التي خرجت بتجهيز طلابي متقن للأفلام الوثائقية التي تم عرضها بين أحاديث المحاضرين، والحرفية الكبيرة التي حرصوا على إخراج الندوة بروحها، كانت قاعة المحكمة تشهد دفاعاً مستميتاً عن التنظيم المحظور الذي أطلقوا عليه «جمعية الإصلاح»، محاولين التبرؤ من التهم الواضحة التي اعترفوا بها قبلا، والتي وضعوا أنفسهم بسببها في هذا الموقف الحرج، وفي ذات الوقت ادّعوا ولاءهم المطلق للدولة ورئيسها، في تناقض واضح جعل الحاضرين في حيرة من أمرهم. فبغضّ النظر عن الأدلة المادية الواضحة التي وفّرتها تحقيقات النيابة للمحكمة، والاعترافات المسجلة بأصوات المتهمين، وغيرها من الأدلة التي لا تقبل الشك والجدل، يبقى الولاء للوطن وقادته، ليس مجرد شعارات يرددها البعض بهدف الخروج من المأزق الحرج الذي وقع فيه، لأن إنشاء تنظيم سري مخالف لقانون الدولة يتناقض مع هذا الإدّعاء، والشروع في إنشاء جناح عسكري لا يمكن أن يكون دليلا على حبّ الوطن وحكامه وشعبه، والاتصال بجهات خارجية تستهدف الوطن، وتلقّي الدعم المالي من دول أخرى قريبة كانت أو بعيدة، لا يمكن أن يتم تفسيره بهذا الادّعاء. وبينما ادّعى الموقوفون ولاءهم للوطن وقادته، لم ينفوا مطلقاً انتماءهم وتمسكهم بما أطلقوا عليه «دعوة الإصلاح»، دون أن يقوموا بتفسير نوع الإصلاح ولا أسباب الحاجة إليه، ولكنهم ولضعف موقفهم لم يقدموا سوى سيرهم الذاتية التي أفنوا خلالها فترة من أعمارهم في خدمة جمعية الإصلاح لا الوطن، وانزلقت ألسنتهم بالكثير من التناقضات، فقد قال أحدهم أن ولاءه يكون أولا لقبيلته ثم الوطن ورئيسه، بينما قال آخر أنه وقّع على اعترافاته ولم يقرأها بسبب عدم وجود نظارته الطبية، بينما قال أحدهم أنه أدلى باعترافاته متأثراً بمشاعر الآخرين. وفي حملة منظمة للخروج من المأزق، حاول المتهمون اتهام النيابة بتحريف أقوالهم تارة، وبالضغط عليهم لقول تلك الأقوال تارة أخرى، وهو تناقض واضح يكشف زيف ادّعائهم، فهم يعترفون بأن أقوالهم جاءت تحت ضغط وتهديد، وفي ذات الوقت يقولون بأنهم لم يقولوها، وأن النيابة قامت بتحريفها، ناسين أن النيابة جهة سيادية وأن الطعن فيها يبقى بالأساس طعناً في الدولة التي يدّعون الولاء المطلق لها، وطعناً في قادتها الذين أولوا النيابة كامل الثقة واختاروا لقيادتها من خبروا صدقه وحكمته ونزاهته. فالنيابة وفّرت للموقوفين كل حقوقهم بما فيها تسهيل لقاءاتهم بأهاليهم ومحامييهم الذين يدافعون عنهم، وليس للنيابة أيّ سبب يجعلها تقوم بتحريف أقوالهم، بل على العكس من ذلك، فقد جاء موقف النيابة قوياً واضحاً، فكل اتهام قالته النيابة كان دقيقاً ومصحوباً بالأدلة التي لا تقبل الجدل، فهناك تسجيلات كاملة للقاءاتهم، وهناك وثائق قدّمتها النيابة لمخططاتهم. أما ولاؤهم لرئيس الدولة وقادتها، فتدحضه الأفعال الواضحة التي قاموا بها، والتجنّي المثبت الذي مارسه البعض، والاتصالات المثبتة مع الجهات التي تعادي الوطن، وأيضاً مع المنظمات المشبوهة خارج الوطن، وقسم الولاء والطاعة الذي قام بعضهم في السابق بأدائه للتنظيم الإخواني المتأسلم، الذي يعلن صراحة تنكره للوطن والوطنية، وإدّعائه المعلن بأن وطن الإنسان الحقيقي يكمن في إيمانه لا جغرافيته، ومحاولات بعضهم المثبتة لتكرار تجربة ما أطلقوا عليه «الربيع العربي». وبمقارنة بسيطة بين قاعة جامعة الإمارات العربية المتحدة وقاعة المحكمة تتضح أمامنا كل الفوارق، ويكبر الأمل في الجيل القادم الذي أقسم أبناؤه بكل قناعة ووعي عن ولائهم للوطن وتمسكهم بمدرسة زايد ونهج صاحب السمو الشيخ خليفة وإخوته القادة وأولي الأمر الذين لا زالوا يمثلون النموذج الحاكمي الأفضل في العصر الحديث.