قبل الحرب، كانت سوريا حجر الزاوية في معادلة المنطقة ومركز الثقل في القرار العربي. اليوم «سوريا النظام» في الزاوية، ولن يبقى حجر على حجر فيها في النتيجة. والقرار العربي بات ثقيلاً عليها، وهي غارقة في الحرب بعد مرحلة طويلة من الاستقرار والازدهار. كانت سوريا لاعباً أساسياً في إدارة أزمات المنطقة. خصوصاً الأزمة اللبنانية والصراع العربي - الإسرائيلي، لها تحالفاتها الخاصة والمميزة مثل العلاقة مع إيران تحديداً، ولها دورها المميز في الحفاظ على التوازنات في العلاقات العربية العربية، والعربية – الإيرانية. وكانت هي القرار والمبادرة والمناورة في إدارة هذه العملية. كانت سوريا في محور العلاقة المميزة مع السعودية مصر، وفي الوقت ذاته في التحالف مع إيران. كانت سوريا صمّام الأمان، والدولة ذات الصدقية في الالتزامات واحترام القرارات الدولية. اليوم، سوريا هي الملعب. تدار على أرضها كل الأزمات الدولية والإقليمية، وتصفّى في هذا السياق حسابات الأمم والدول. لم يعد القرار فيها. والمبادرات والمناورات واللقاءات والمؤتمرات والقرارات في المنظمات العربية والدولية تأتي من غيرها وفي إطار الصراع عليها. لم يعد فيها أمان، ولم تعد صمّام أمان. انكسر ميزان علاقاتها العربية، تكرّس دور إيران. لم يعد ثمة صدقية واحترام للالتزام. خطر الحرب الداخلية كبير ومدمّر، ولا أفق له، والخطر من الخارج أكبر، ونارها قد تمتد إلى الجوار. سوريا ساحة مستباحة وهذا أخطر ما تعيشه وما تفرزه الأعمال الحربية عليها لا سيما في ظل تدفق «المجاهدين» إليها من كل حدب وصوب، وتحت عناوين مختلفة واتخاذ الحرب بعداً مذهبياً قاتلاً. النظام في سوريا استخدم «مجاهدين» متطرفين أثناء الاحتلال الأميركي للعراق. اليوم هم نواة الفصائل التي يعتبرها إرهابية وكذلك يراها العالم! لم يتعلم أحد من دروس الماضي. التشاطر والتذاكي وسياسة النكاية والمناورة والتكتيك غير المدروس لم تؤدِ إلا إلى نتائج كارثية. بالأمس كانت تعبئة ضد «المد الشيوعي» في أفغانستان، واستخدم الجهاد، وجاء الجهاديون وأعطوا كل الإمكانات. كانت النتيجة انحسار المد الشيوعي. لكن، سقوط أفغانستان في حرب مفتوحة، وارتداد المجاهدين «الإرهابيين» إلى دول عانت طويلاً منهم، وخاضت ولا تزال حروباً ضدهم لاستئصالهم وضمان استقرار البلاد واعتمدت سياسة استراتيجية مهمة لمعالجة المشكلة وآثارها الأمنية والسياسية والاجتماعية والنفسية والتربوية والتأهيلية لأفراد الشبكات الإرهابية وعائلاتهم. «المجاهدون الإرهابيون» ارتدوا ضد أميركا. وكانت الحرب المجنونة على الإرهاب التي أخذت كل شيء في طريقها من أفغانستان إلى العراق إلى أفريقيا وغيرها. ثم ظهرت الشيشان. وبتنا أمام ظواهر مختلفة في أوروبا والسودان وباكستان وليبيا والصومال وشمال أفريقيا وبريطانيا وكندا وأميركا والعالم العربي عموماً. وكان لإيران دور مركزي في إدارة هذه العملية خصوصاً في العراق وأفغانستان مع ارتداد الخطر عليها في الداخل وتأثير هذا الأمر على الواقع السُني – الشيعي المنزلق نحو فتنة مفتوحة خطيرة. لكل دولة «إرهابيوها». لتفادي خطرهم في الداخل تتركهم يذهبون إلى سوريا. يقاتلون هناك. يقتلون. المهم، أن يبتعد الخطر عن الدولة الأم. لكن هذا تبسيط للأمور وتعبير عن قصور. فإذا توقفت الحرب يوماً ما، إلى أين سيذهب هؤلاء. ألن يعودوا إلى دولهم؟ يقال إن ثمة مقاتلين من الشيشان في سوريا، وقد أعلن منذ أيام رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ألكسندر بورتينكوف أن «نحو 200 مقاتل من أصل روسي يشاركون في العمليات الحربية في صفوف المعارضة السورية، والتي ينخرط فيها أيضاً مقاتلون من أفغانستان وباكستان وبلدان رابطة الدول المستقلة وأوروبا». ويضيف: «رجال العصابات سيعودون بعد انتهاء العمليات إلى بلدانهم، من المهم متابعة تنقلاتهم وتلقي معلومات عنهم». وثمة معلومات عن مجاهدين متطرفين و«إرهابيين». قدموا من كندا وفرنسا وبريطانيا وأفريقيا وليبيا وتونس والجزائر والسعودية والكويت ولبنان ومصر والعراق. ونشرت صحيفة «العرب اليوم» المصرية تحقيقاً منذ أيام أشارت فيه إلى مراكز لتدريب مقاتلين في شمال سيناء لإرسالهم إلى سوريا! كذلك فإن «مجاهدين» من لون آخر، يقاتلون في سوريا وهم رجال «حزب الله» اللبناني الذين حققوا انتصاراً تاريخياً ضد إسرائيل وصنعوا مجداً كبيراً لكنهم انغمسوا الآن في الحرب السورية، ويؤكدون أنهم جاءوا لنصرة إخوانهم وحماية المقدسات الشيعية وليسوا بحاجة إلى إذن من أحد. وعصائب الحق الإيرانية، وخبراء ومسؤولون إيرانيون، وذلك بإدارة وإشراف إيرانيين مباشرين. وصرّح حمزة حبوش قائد لواء «درع هنانو» التابع للجيش الحـر: «إن عدد المهاجرين الذين يقاتلون مع المعارضة في إدلب يقارب ألفين مقاتل معظمهم من العرب ». أما الداعية الإسلامي عمر بكري فقال: «إن سوريا ليست ملك السوريين بل هي بلاد الله وملك الأمة الإسلامية، والحرب فيها هي حرب كل المسلمين في العالم. والمهاجرون يأتون لنجدة إخوانهم من أهل السُنة. ولتحقيق ذلك، فهم ليسوا بحاجة إلى إذن من أحد». المقاتلون هؤلاء كلهم سيعودون إلى ديارهم، سيستخدمون «مهاراتهم» وكفاءاتهم هناك ضد أنظمتهم، أو داخل بيئاتهم المختلفة، وإذا نجحت «الثورات» المستندة إلى دورهم في أي مكان، فستصدر منهم إلى الدول التي لم تؤيد الثورات. وفي سياق صراع الأمم، ستكون تصفية حسابات. وبالتالي سيستخدم هؤلاء في لعبة خطيرة جداً. وليس أمراً عادياً أن يكون المؤتمر الدولي، الذي حكي عن انعقاده لإيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا قد أصبح عنوانه مؤتمراً لـ«ضبط المتطرفين». لن يكون ضبط لهؤلاء في ظل هذه السياسات. نحن، على الأقل في المراحل الانتقالية، ذاهبون إلى حال من الفوضى. السلطات المركزية في الدول التي لم تفكك ستكون ضعيفة. دور المنظمات «الجهادية» وغير «الجهادية» سيكون أقوى وأفعل وأكثر تأثيراً. في الدول التي تتفكك سيكون دورها حاسماً حيث تتواجد وتسيطر. وثمة نماذج كثيرة من هذا النوع في العالم اليوم. والأخطر في كل ما يجري، هو أن التركيز الدولي يقوم حول دور هؤلاء «الإرهابيين»، لكن لا أحد يتحدث عن إسرائيل التي تعتبر «حزب الله» والآخرين إرهابيين. لا أحد يتحدث عن إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه ضد العرب والفلسطينيين. العرب والمسلمون هم «إرهابيون»، أما إسرائيل فدولة لها حق الدفاع عن نفسها، وهي الدولة «الديموقراطية الوحيدة» في الشرق الأوسط، قبل الثورات العربية. والثورات لم تنتج ديموقراطيات، بل حالات «إرهابية». وتبقى إسرائيل الواحة الديموقراطية الوحيدة. هل فكرنا في ذلك؟ غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني