مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في يونيو القادم، يبدو المشهد السياسي والاقتصادي الإيراني، وهو مشوب بعدد لا يحصى من المشاكل التي تنعكس آثارها سلباً على عامة الإيرانيين. ومصدر تلك المشاكل خليط من الإرهاصات الداخلية وتعقيدات السياسة الخارجية التي جلبت إلى إيران مواقف معادية من المجتمع الدولي تتجلى في المعاقبة الاقتصادية والتجارية التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي. فقد نشأت عن هذا البرنامج سلسلة من القضايا الخطيرة أهمها عدم تعاون إيران حوله وتدخلها السلبي في الشؤون الداخلية لجيرانها، ووقوفها إلى جانب النظام الحاكم في سوريا، ودعمها لـ«حزب الله» في لبنان ولبعض الجماعات المتطرفة الأخرى، والتصريحات القوية لعدد من المسؤولين الإيرانيين الكبار. ومنذ أن وصلت الحكومة الحالية إلى السلطة عام 2005 وأعيد انتخاب رئيسها عام 2009 تشهد السياسات الإيرانية تقلبات درامية تزيد الأوضاع سوءاً على صعيد صراع القوة في إيران ذاتها، وعلى صعيد سياسات إيران الخارجية في الخليج العربي والمنطقة العربية. فوصول هذه الحكومة جلب إلى الواجهة مجموعة من المتشددين «المحافظين»، الذين أدت ممارساتهم إلى الدفع بالسياسات المحافظة إلى الأمام، وجعلت من السياسة الخارجية أن تتحول من التعاون إلى المواجهة، التي وصلت في بعض الأحيان إلى سياسة حافة الهوية، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية. وخلال الفترة الماضية لم تنعم إيران بالهدوء، فالمعارضة لسياساتها الداخلية بقيت مستمرة، وبقيت هي في انتهاج سياسات اجتماعية واقتصادية مثيرة للجدل، واستمرت البيئة السياسية في الاهتزاز بسبب المظاهرات الاحتجاجية والزوابع والعواصف التي تثار داخلياً وخارجياً. وفي خضم ذلك تصارع إيران لاحتواء تلك المشاكل عن طريق توجيه الأمور وجهة خارجية وتصوير الأوضاع بأن البلاد تواجه تهديدات أمنية خطيرة، ويحيط بها الأعداء من كل جانب. ويحدث ذلك دون تحديد من هم أولئك الأعداء، ولماذا يعادون إيران وحدها دون غيرها من أمم الأرض الأخرى. والغريب في الأمر أن المرشد الأعلى للثورة، ورغم انتقاداته الموجهة إلى أداء الحكومة وأداء رئيس الجمهورية، إلا أنه هو الذي دعمه في انتخابات عام 2009 ضد منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي، وساعده للوصول إلى السلطة مرّة أخرى. وفي العديد من خطبه يركز المرشد على أن إيران يجب أن لا تخاف من العدو أبداً، في الوقت نفسه الذي يجب عليها أن لا تستهين بذلك العدو أو تقلل من شأنه. وبأن الحكمة تتطلب اتخاذ الحيطة والحذر على كافة الأصعدة بما في ذلك الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. وفي الوقت الذي يزداد فيه التوتر بين إيران والعالم الخارجي، خاصة بالنسبة لبرنامجها النووي وتدخلها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن وموقفها من النظام السوري ودعمها لـ«حزب الله» في لبنان، فإن استراتيجية الردع الإيرانية في تصاعد، فهي لا تستخدم برنامجها النووي ونفوذها السياسي والاستراتيجي في البحرين والعراق وسوريا ولبنان وقطاع غزة والسودان فقط لتقوية وضعها الإقليمي، بل هي تقوم أيضاً بفرض ثورتها الثقافية الثانية على الصعيد الداخلي، والتي يتعرَّض من خلالها المثقفون والأكاديميون والطلبة والعمال والأقليات والنساء لممارسات تثير حفيظة العديد من الأطراف في الخارج. وضمن جهود المحافظة على الأوضاع القائمة جرى العمل منذ عام 2005 على إغلاق جميع الأبواب أمام أية محاولة للإصلاح. د. عبدالله جمعة الحاج