لم تعد ظاهرة التغير المناخي التي تهدد كوكب الأرض مجرد قضية محصورة في أوساط علماء المناخ والمتخصصين القادرين على فهم تفاصيلها، بل أصبحت محط اهتمام واسع من قبل وسائل الإعلام وصناع القرار، وباتت تُدق من أجلها نواقيس الخطر من المنظمات الدولية، لذا توسع الاهتمام بظاهرة الاحتباس الحراري ليطال أستاذة الجامعات والصحفيين وكل من يستشعر تهديداً محدقاً بكوكب الأرض، ومن هؤلاء أندرو جوزمان، أستاذ القانون بجامعة كاليفورنيا، الذي يتناول في كتابه «الحرارة المفرطة... الكلفة الإنسانية للتغير المناخي» النتائج السلبية للظاهرة، ليس فقط على الأرض والتوازنات البيئية الدقيقة، بل أيضاً على حياة الإنسان على سطح الأرض، وكذلك على الأفراد ومعيشهم اليومي. فالمشكلة، كما يقول الكاتب، لا تكمن فقط في اختفاء بعض الأنواع الحيوانية واختلال المنظومة البيئة، ولا في ارتفاع درجات الحرارة، بل في التداعيات الإنسانية الناتجة عن التغير المناخي الذي يرتبط بعلاقته وطيدة مع النشاط البشري. وتأكيد الكاتب على هذا المعطى مرده التشكيك المستمر لدى الرأي العام الأميركي وعدم استقرار العلاقة بين الاحتباس الحراري وانبعاث غازات ثاني أكسيد الكربون في وعي الأميركيين، فخلافاً للإدراك المتنامي لدى شعوب أخرى، لا سيما الأوروبية، ووعي صناع القرار بتفاصيل التغير المناخي، يظل الأميركيون أكثر الشعوب تشكيكاً في علاقة الانبعاثات الغازية بالتغيرات المناخية التي يشهدها كوب الأرض. ومن هذا المنطلق يجد الكاتب نفسه مضطراً للتأكيد مراراً على الترابط الوثيق بين النشاط البشري القائم على الإفراط في استهلاك الطاقة واستنزاف موارد الأرض وبين الكوارث الطبيعية التي تعيشها بعض المناطق، وهو من أجل ذلك يحذر الأميركيين من تنامي العواصف الهوجاء والأعاصير المدمرة التي تكبد البلاد خسائر مادية جسيمة. ويتقصد الكاتب الإشارة إلى الكلفة الاقتصادية الباهظة للتعامل مع مخلفات الكوارث الطبيعة في أجواء التقشف وتقليص النفقات للتذكير بمدى تأثر الأميركيين بالتغيير المناخي، هذا التأثر الذي يطال حياتهم واستقرارهم أولاً في المناطق المعرضة للأعاصير، وعلى جيوبهم ثانياً، لأنهم من سيدفع الخسائر من الضرائب التي تفرض عليهم. لكن وفيما عدا الكلفة الاقتصادية التي تثقل كاهل دافعي الضرائب وتصرف انتباه الدولة عن قضايا أخرى، هناك كلفة إنسانية لا تقل عن الخسارة المادية، حيث يشير الكاتب إلى الأبعاد الإنسانية للتغير المناخي والخسائر الفادحة التي منها ما يرتبط بعوامل جيواستراتيجية، مثل الصراع على موارد المياه، إذ يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على تصاعد وتيرة الجفاف واكتساحه لمناطق عديدة من العالم، خاصة تلك التي تعاني أصلاً شحاً في المياه. ولا شك أن ندرة المياه قد تدفع إلى حروب وصراعات تزعزع الاستقرار السياسي للدول. والأمر نفسه ينطبق على بعض المناطق المهددة بالغرق، مثل بنجلادش وغيرها، مع ما سيترتب على ذلك من نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى مناطق أخرى، وما ينجم عنه من اضطراب وتغير في الخرائط السياسية والديموغرافية للدول. وإذا كان العلماء يتوقعون ارتفاع درجة حرارة الأرض بواقع درجتين مئويتين بحلول عام 2100 ،مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الثورة الصناعية والتباعات البيئية والإنسانية لهذا الأمر، يرى الكاتب أن وتيرة الارتفاع قد تكون أكبر وأسرع، مع ما سيسببه ذلك من ظواهر مناخية قاسية، مثل ذوبان الكتل الجليدية الكبرى وارتفاع منسوب البحر وتغير أنماط التساقطات في المناطق التي تعتمد على الزراعة المطرية، ما يجعل التغير المناخي مرتبطاً أيضاً بالأمن الغذائي للدول، فتراجع التساقطات المطرية في البلدان النامية يؤثر على قدرتها في توفير الغذاء، بل سيؤثر عالمياً فيما يخص أسعار المواد الغذائية. لكن هل التغير المناخي أمر محتوم لا فكاك منه؟ يجيب الكاتب بطرح بدائل وحلول يرى أنها قادرة على التخفيف من التبعات السلبية للأنشطة البشرية، فبما أن الاحتباس الحراري ساهم في حدوثه الإنسان، فإنه يمكن لهذا الأخير تعديل السياسات وتنسيق المواقف على المستوى الدولي، وبدلاً من انتظار تغيير المجتمعات البشرية لأنماط سلوكها الاستهلاكي، الذي قد يستغرق عقوداً طويلة، لا مناص من تدخل الدول من خلال فرض ضريبة على الكربون وإرغام الشركات والمصانع على التقيد بمعايير لتقليل الانبعاثات الملوثة، وفرض الغرامات والرسوم على المؤسسات المسؤولة عن انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون. زهير الكساب ------ الكتاب: الحرارة المفرطة... الكلفة الإنسانية للتغير المناخي المؤلف: أندرو جوزمان الناشر: جامعة أوكسفورد تاريخ النشر: 2013