حملة «أبوظبي تقرأ»، التي أطلقها مجلس أبوظبي للتعليم مؤخراً، بالتعاون مع عدد من الجهات والمؤسسات الحكومية والمجتمعية، تعدّ خطوة عملية كبيرة لتحقيق واحد من أهم أهداف المجلس الممثلة بترسيخ المعرفة وتعزيز قدرات الفرد، عبر تمليكه القدرات التي تفعّل دوره، وتبعث فيه الثقة ليكون عنصراً مؤثراً وإيجابياً باستيعابه الواقع وقراءته احتمالات المستقبل. وتجد الحملة الدعم من القيادة الرشيدة للدولة؛ إذ تسير في الاتجاه، مكملة برامج تثقيفية سابقة أطلقها المجلس أو هيئات أخرى في البلاد مهتمة بالتثقيف وتطوير الوعي المعرفي؛ مثل: «الكتاب العابر» و«مسابقة أداء القراءة» و«كتاب» و«كلمة للترجمة» و«منتدى قصص الأطفال»، وغير ذلك. وتجيء «أبوظبي تقرأ»؛ فعلاً دافعاً مباشراً؛ لنشر ثقافة القراءة، وتحبيب المطالعة للنشء وطلاب المدارس، والجمهور بشكل عام؛ استجابة لحقائق عن أوضاع القراءة والاطلاع؛ إذ تشير دراسات إلى أن "أكثر من 50% من المجتمع المحلي، يقرأ خلال الأسبوع أقل من خمس ساعات أو أقل، أو لا يقرأ أبداً". ويمكن أن نقول: إن الحملة نجحت في اختيار وسائلها الجاذبة للصغار؛ ليقبلوا على عادة القراءة، وأدرك المعلمون والمشرفون عليها المزاج المشترك لهؤلاء الأطفال، فنجحوا في شد انتباههم بفعاليات ونشاطات مسلية وجاذبة؛ مثلما أفلحوا في لفت أنظار الآباء والأمهات إلى ضرورة الحملة وأهميتها؛ فأقبلت عليها الأسر، صغيرها وكبيرها. ولاشك في أن هذا؛ سيزيد وعي أولياء الأمور بأن التكنولوجيا التي تأخذ الأطفال بعيداً (وطويلاً) عن القراءة، لا يمكن أن تكون بديلاً عن الكتب، بل غدت عنصراً مساعداً في توسيع المعرفة، إذا ما ضبط استخدامها وأرْشِد الصغار إلى التعامل السليم مع برامجها. ولقد أحصى خبراء التربية والتعليم وعلماء النفس، كثيراً من الفوائد لعادة القراءة؛ فلاحظوا في بحوثهم الميدانية أن الأطفال والمراهقين، ممن يحبون الاطلاع، يتميزون بمستويات ذكاء أعلى، وأداؤهم أحسن في المدارس والكليات؛ كما يتطور عندهم الإلمام بمفردات اللغة. وإلى جانب ذلك، فإن القراءة تحفز عضلات العين، وتزيد القدرة على التركيز، وتضيف مهارات التخاطب والتحادث. كما يمكن أن تصير عادة القراءة "إدماناً صحيّاً"، يملأ فراغ الفرد بما يفيده، ويباعد بينه وبين تناقضات الإحساس ومغرياته بالفراغ القاتل، وينأى به عن السأم والملل، وهما اللذان يمكن أن يذهبا به إلى قضاء أوقات فراغه؛ على نحو ربما يكون غير مرغوب فيه. وهنا تتلاقى سياسات قيادة الدولة الحكيمة وتوجهاتها وجهود الهيئات المسؤولة عن نشر ثقافة الاطلاع والقراءة بين النشء؛ لتمضي بمسيرة البلاد نحو ترسيخ البناء السليم للشخصية الإماراتية؛ تحقيقاً لبناء الشخصية المتمكنة والمؤهلة؛ لتسهم في إنجاز الرقي المعرفي والتقدم الحضاري اللذين تنشدهما البلاد، قيادة وشعباً. ويبقى القول: إن الآباء والأمهات وأولياء الأمور يقع على عواتقهم الواجب الأكبر في جعل هذا ممكناً؛ فهم الأقرب إلى الأجيال الصاعدة في مختلف فئاتها العمرية، بحكم اشتراك الأسرة في السكن والحل والترحال. وما يبذلونه من جهد منذ سنوات العمر الأولى مع أطفالهم، وهم يقرؤون لهم، أو يسردون عليهم القصص ذات الأهداف التربوية، أو يدربونهم على القراءة ويحببونها إليهم، هو ما سيضمن علاقتهم المستقبلية بعادة القراءة وتوقهم إلى اكتساب المعرفة.