عاشت اللغة العربية في الأيام الماضية حالة من الاهتمام الكبير بها، وتمثل ذلك في انعقاد المؤتمر الدولي للغة العربية في دولة الإمارات، والذي نظمه المجلس الدولي للغة العربية، بالتعاون مع منظمة اليونيسكو ومكتب التربية العربي لدول الخليج واتحاد الجامعات العربية. وقد تميّز هذا المؤتمر عن سابقه الذي عقد في بيروت بزيادة حجم الأبحاث والدراسات المقدمة فيه، والتي بلغت أكثر من 500 بحث ودراسة وورقة عمل مقدمة من مؤسسات حكومية وأهلية وباحثين، وبزيادة عدد المشاركين ليصل 1000 مشارك، ثلثهم تقريباً من الأجانب الذين يتحدثون العربية. كما تميز المؤتمر بمشاركة 70 دولة. وقد شخّصت أبحاث المؤتمر أهم المشكلات والتحديات التي تواجه اللغة العربية، وقدّمت الكثير من الحلول وطرق المعالجة، واتفقت غالبية النتائج والمشاركين في هذا المؤتمر على أن اللغة العربية تواجه بعض الأخطار، وتعاني التهميش والإقصاء نتيجة متغيرات أخرجتها تدريجياً من مواقعها الطبيعية في سوق العمل والتعليم والإعلام والتقنية والصناعة والتجارة. كما حذّرت النتائج من أن استمرار الحال على ما هو عليه الآن سوف يجعل هذه اللغة تغادر عقول أهلها لتحل محلها اللغات الأجنبية. ولعل أهم ما توصّل إليه المؤتمر هو إنجازه «مقترح قانون» يحمي اللغة العربية، وينظّم وضعها في المجتمعات العربية ويسهم في انتشارها لتستعيد مكانتها بوصفها لغة القرآن الكريم، وأحد العناصر الجوهرية للشخصية العربية. ويضم «مقترح القانون» المذكور 23 مادة، ويشمل معظم القضايا والموضوعات المتعلقة باللغة العربية، وهو مرجع مهم للدول والمؤسسات حول كيفية المحافظة على هذه اللغة وحمايتها، كما أنه دعوة للمؤسسات -الحكومية والأهلية- كي تتخذ إجراءات لحماية اللغة العربية في مجال نشاطها، وعدم السماح بإضعافها، من خلال احتكار الوظائف لنخبة ممن يجيدون اللغة الأجنبية. كما تمثل الاهتمام باللغة العربية في تقرير لجنة تحديث تعليم اللغة العربية، وعنوانه «العربية لغة حياة»، والذي خرج بإحصاءات لواقع اللغة العربية وأهم التحديات التي تواجهها، وكانت توصياته في غاية الأهمية، حيث أشار إلى ضرورة تطوير أدوات ووسائل تعليم واستخدام اللغة العربية الفصيحة في الأوساط الشابة، والاستفادة من التقنيات ووسائل التواصل الحديثة في نشرها وتشجيع استخدامها، وأكد الحاجة إلى تحسين نوعية معلمي اللغة العربية، وتدريبهم ورفع معايير القبول في كليات التربية، وإلى جعل القراءة جزءاً من الحياة اليومية في المدارس، وتشجيع أولياء الأمور على القراءة اليومية لأبنائهم منذ الصغر، وتبسيط كتب التراث العربي. هكذا جاءت توصيات كل من المؤتمر الدولي للغة العربية، وتقرير لجنة تحديث تعليم اللغة العربية، لتعبّر كلها عن درجة الإحساس بحجم الخطر الذي تتعرض له اللغة العربية، وحجم الشعور الذي يفترض أن يحس به المواطن العربي حيال ما تعانيه لغته، وضرورة تجاوز الأسوار النفسية التي تحيط ببعضهم، وتمنعهم من الشعور بالمشكلات والأخطار التي تحيط بلغتهم الأم. كل ما أتمناه أن تتحول تلك التوصيات إلى واقع ملموس، وأن تحتل اللغة العربية موقعاً متميزاً ضمن اهتمامات صناع القرار في الوطن العربي، وأن تكون من بين أولى القضايا التي تشغلهم؛ لأهميتها في تكوين شخصية المواطن العربي وصياغة هويته وصناعة نهضة الأوطان وحماية أمنها القومي.