في العام 1998 ضربت الأزمة الاقتصادية دول النمور الآسيوية السبع، التي من ضمنها تايلاند وإندونيسيا وماليزيا وأخريات، ومضت تلك الأزمة تنخر في مواردها، حتى استفاق بعضها قبل أشهر من عام 2013 بنمو يقدر بـ2%. وقد شعر قطاع الأعمال الخاصة بهذا الفارق في التقدم إلى الأمام بعد خمسة عشر عاماً من التدهور الاقتصادي الذي ضرب في صميم الفرد العادي قبل أصحاب رؤوس الأموال ممن قاربت خسائرهم مئات المليارات من الدولارات التي اختفت بسبب الفساد أولاً حتى أطلق على النمور الآسيوية السبعة مصطلح «نمور من ورق» وهي التي كانت على أعتاب المنافسة مع القطب الأميركي والأوروبي في آن واحد. وبعد مرور عقد على الأزمة الاقتصادية الآسيوية لم يفق العالم إلا على أزيز أزمة اقتصادية جديدة في عام 2008 ضربت العالم الغربي والعربي والإسلامي في عمق الاقتصاد مرة أخرى، لم تستفق من آثارها السلبية حتى الآن، دول الاتحاد الأوروبي التي يعاني بعضها شبح الإفلاس، ولا أميركا التي تجر وراءها أذيال الركود الاقتصادي، وقد أثر ذلك في اتخاذ قرارات سيادية حاسمة بالانسحاب من العراق وأفغانستان في أسرع وقت ممكن بسبب شح الموارد المالية. وفي وسط هذه الأزمة المالية المستجدة وقع العالم العربي في مأزق الربيع الذي جفف منابع الاقتصاد في بعض الدول التي طالها التغيير من القمة، ولم تستقر قيعانها حتى هذه اللحظة ولم تدرك تلك الدول أن الاقتصاد هو صاحب الصوت الأعلى من السياسة في هذا الزمن. إن أي تغيير لا يراعي هذا البعد الاقتصادي المهم، فإن مصيره الفشل، سواء كان في العالم المتقدم أو النامي، والأحداث التي مرت على العالم أجمع خلال العقدين الماضيين خير شاهد على ذلك لمن أراد أن يبني شيئاً للمستقبل. فالعالم العربي عليه استيعاب درس الاقتصاد الآسيوي قبل أكثر من عقد، حتى يعيد التوازن إلى حياته السياسية والاقتصادية بشكل متزامن، وإلا فالاستمرار فيما يسمى بالثورات الثائرة على نفسها والآكلة لكل منجزاتها الماضية، لن تجديها فتيلاً، إذا لم تشعل في ساحاتها الساخنة فتائل تحرق البقية الباقية من مكتسباتها السالفة وإن كانت متواضعة. فآسيا اليوم بدأت تنهض وعلى رأسها الصين، نقول مرة أخرى اقتصادياً أولاً وليس سياسياً، لأن قطار التنمية يقود السياسة وليس العكس، فالسياسة لم تعد تحكم مجريات الاقتصاد بقدر ما كانت مدمرة للبنية الاقتصادية الأساسية في المجتمعات التي تسعى للتغيير نحو الأفضل. فعدم وجود مشاريع حقيقية تنهض بالتنمية الشاملة والمستدامة في المجتمعات المتعثرة، يعيد المزيد من التأخر عن ركب النمو مقارنة بالأمم التي سبقتنا إلى ساحة الاقتصاد الفعلي وليس الصوري. الصين في آسيا والبرازيل في دول "البريكس" وجنوب أفريقيا في القارة السوداء وأسترالياً القارة، كل هذه الدول تقف اليوم على رأس الاقتصاد الصاعد، فهل يعي العالم العربي، خاصة بعض أجزائه التي خرجت من الاقتصاد لتقود نفسها بالسياسة وحدها، أن المشكلة الحقيقية تكمن في من كان يتظاهر بالنمو، وفي الشدة بان العكس. ألم يحن الوقت للاستفادة من تجارب الآخرين في النجاح ولو جزئياً بدل الإغراق في المطالب الفردية بالتغيير الجذري في كل مجالات الحياة في مجتمعات «الربيع العربي»، الذي خرج قطار التغيير فيه عن العقلانية وحسن التدبير، بعد أن حلت الفوضى، ودبت نيران الطائفية البغيضة في أجزاء منها، فلا هي حققت الأهداف الخاصة بالحرية والعدالة والاستقرار، ولا أرست دعائم الاقتصاد الحر في عالم ليس فيه مجال إلا لمن يملك قوة اقتصاد المعرفة التي لا تقود عقاربها وفق أهواء وأحلام الحالمين بالتغيير بلا بوصلة.