الرسالة التي وجهها أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، إلى حسن نصرالله الأمين العام لـ«حزب الله»، الأسبوع قبل الماضي، كانت واضحة ودقيقة وناصحة. فالرجل يدرك أن هنالك أيادي تريد تفتيت المنطقة العربية وإدخالها في «صراع مذهبي» يستهلكها عشرات السنين. وأن الوقت قد حان لدفن خصام -بين السنة والشيعة- دام أكثر من ألف عام، كي تخرج هذه الأمة من هذا النفق المظلم الذي يكبل إرادتها ويعزلها عن الأمم المتحضرة. وأشار الخطيب إلى أن تدخل «حزب الله» اللبناني في الأحداث الجارية على الساحة السورية «قد عقد المسألة كثيراً» وقال موجهاً كلامه إلى نصر الله «كنت أتوقع منكم شخصياً -بما لكم من ثقل سياسي واجتماعي- أن تكونوا عاملاً إيجابياً لحقن دماء أبناء وبنات شعبنا». وتلك إشارة واضحة لمدى الامتعاض والألم الذي يسود الشعب السوري من موقف «حزب الله»، الذي دعمه وأيده الشعب السوري خلال حرب تموز، حيث فتح السوريون قلوبهم وبيوتهم لاستقبال المُهجرين جراء العدوان الإسرائيلي عام 2006 على لبنان. ووجه الخطيب أسئلة مباشرة لنصر الله: «هل يرضيكم قصف النظام لشعبنا بالطائرات وصواريخ «سكود» وعجنُهُ لحوم الأطفال مع الخبز!؟ هل يسرّكم اغتصاب آلاف النساء وقتل مئات الأطفال بالتعذيب حتى الموت؟». وتساءل أيضاً: «هل مطالبة الشعب السوري بالحرية، بعد خمسين عاماً من حكم «حزب طاغوتي» تستحق أن تقابل بالدمار الشامل للبنى التحتية، وتشريد المجتمع ومعاقبته بالمذابح الجماعية؟». وتطرق الخطيب إلى ما يلتمس أن نصر الله يؤمن به جيداً، قائلاً: «إن مذهب أهل البيت عليهم السلام هو نصر الحق مطلقاً كما أفهم، وإن شعب سوريا -بمجموعه- هو عين مأساة الإمام الحسين المُضطهد المظلوم الشهيد، ويبقى النظام هو المسؤول الأول عما يجري من قتل وتخريب البلاد». رسالة طويلة ودقيقة ومحكمة تنتقد مسلك «حزب الله» في الوقوف إلى جانب النظام السوري، في تخلٍّ واضح عن عقيدة «نصرة المظلوم أو مبادئ حق تقرير المصير». بل وذكر الخطيب مشاهد حقيقية لدخول قوات «حزب الله» إلى قرى سورية ليست شيعية في داريا والقابون وقيامها برفع أعلام «حزب الله» عليها. وهذا نوع من التدخل السافر في شؤون الغير لا تقره القوانين الدولية، ويجافي علاقات الجيرة، ولا تقبله العلاقات المميزة بين لبنان وسوريا على مر التاريخ. كما أنه من العبث أن تراق دماء اللبنانيين من أعضاء «حزب الله» في غير مكانها، وكانت تلك الدماء قد تم نذرها للدفاع عن لبنان والوقوف ضد العدوان الإسرائيلي، وليس كي تراق في سوريا وتساهم في قتل الأبرياء. وفي نهاية الرسالة طالب الخطيب بسحب قوات «حزب الله» من سائر الأراضي السورية والتواصل مع الثوار في مناطق القرى الشيعية لضمان أمن الجميع. إنها رسالة صادقة وحريصة على علاقات أوثق بين المناضلين السوريين والمناضلين اللبنانيين، وعادة ما توحّد الخطوب المناضلين. لكن هذه المرة اختلفت البوصلة! ودخول قوات «حزب الله» الحرب ووقوفها مع النظام يخلط الأوراق، ويعطي إسرائيل الحجة للقيام بأية مغامرة جديدة فيما لو تعرضت حدودها أو جنودها في الجولان مثلاً لأي عمل طائش. كما أن ذلك الدخول يحرج الحكومة اللبنانية التي أصرّت على سياسة «الـنأي بالنفس» خلال مداولات الجامعة العربية للقضية السورية. وحسب جريدة «السياسة» الكويتية يوم 26/4/2013 فإن الجيش الحر قد تمكن من التقاط موجات هاتفية لأشخاص يتحدثون الفارسية في ريف القصير بمحافظة حمص، وهذا يعطي إشارة واضحة لوجود عناصر إيرانية تساند قوات «حزب الله» في سوريا. وكان رئيس الائتلاف المُعارض جورج صبرا قد صرح بأنه أجرى اتصالات مع مسؤولين لبنانيين بشأن ما يجري في القصير، مشيراً إلى أن بعض هؤلاء المسؤولين أخبروه بأن قرار فتح جبهة القصير قرار إيراني! وكان ثوار الجيش الحر قد بثوا شريطاً قالوا فيه إنهم نصبوا كميناً لعضو في «حزب الله» غربي نهر العاصي وحصلوا على أدلة تثبت تورط عناصر «حزب الله» مع جيش النظام في قتل السوريين. إن هذا التطور غير الإيجابي في استمرار الحرب في سوريا يدلل -دون أدنى شك- على وجود مؤامرة عقائدية تقودها إيران من أجل خلق كيانات طائفية في المنطقة العربية. وهذه الكيانات بلاشك ستقود إلى حروب لا نهائية بين السنة والشيعة، وسوف تفكك الوطن العربي، كما هو الحاصل في العراق اليوم. ولمن يشتكي أكثر من 7 ملايين سوري في الشتات هذه الأيام؟ ومن سيأخذ حقهم الطبيعي في وطنهم؟ إنَّ تخليَّ «حزب الله» عن مبادئه الأساسية تجاه حق تقرير مصير الشعوب، وقفزه على ثوابت التاريخ والقيم الإسلامية التي تنهى عن العدوان ونصرة الظالم، إنما هو عمل خارج نطاق العقل، وخاصة أن أطرافاً خارجية «تستمرئ» العبث في المنطقة العربية، و«تستلذ» تدميرها أو بث الفوضى فيها وخصوصاً إن كانت هذه المنطقة تخالف العقيدة التي يؤمن بها «حزب الله». نحن نأمل أن يتدارك «حزب الله» دوره المصيري داخل الحدود اللبنانية، ولا يحاول «تصدير» صموده وحالة الرباط في الثغور إلى خارج تلك الحدود، لأن تلك الثغور بحاجة إليه. وأن يترك الأمر للشعب السوري كي يتفاهم مع الأحداث حسب رؤيته وبما يحقق له الكرامة والحرية والأمان. وقد أثبتت التجارب خلال الخمسين عاماً من حكم «حزب البعث» في سوريا أن المستوى الإنتاجي والإدارة، والوضع الاقتصادي، وصرامة الأمن والمخابرات، وسوء معاملة المعارضين في السجون، لم تكن من خصال الدولة الحديثة، أو الدولة صاحبة المبادئ السامية «ذات الرسالة الخالدة»! وأين تلك الرسالة التي ارتاحت على جنبها منذ عام 1967، لتستفيق اليوم كي تهدم البيوت فوق رؤوس السوريين. إن محاولة جرّ لبنان إلى الحرب الدائرة في سوريا ليست من مصلحة سوريا ولا مصلحة «حزب الله»، كما أن دخول «حزب الله» طرفاً في قتل السوريين سيسجله التاريخ ويحفظه أطفال سوريا في الصف الأول ابتدائي. وأخيراً فإن الحل الأمثل لهذه القضية هو أن ترجع عناصر «حزب الله» إلى ثكناتها ومخابئها في الجنوب اللبناني وتراقب تحركات العدو الأول للأمة. ولا تلطخ أياديها بدماء الأطفال والنساء والشباب والمسنين الذين لا تهمة لهم سوى المطالبة بالكرامة والحرية، وهما -كما نعتقد- من المبادئ «السامية» لـ«حزب الله» كما يزعم، وكما نسمع ونشاهد.