ما هو الإيمان؟ وما هو العلم؟ وهل يمكن المزج بينهما؟ وهل يمكن الوصول إلى معادلة بين العلم والإيمان شبيهة بمعادلة الطاقة والمادة التي صاغها آينشتاين؟ أعجبني تعريف الدكتور محمد كامل حسين، في كتابه «وحدة المعرفة»، لفكرة تطابق النظام العقلي والكوني وتعريفه العلم بالقول: «في الكون نظام وفي العقل نظام، والمعرفة هي مطابقة النظامين. والنظامان من معدن واحد، والمطابقة بينهما ممكنة لما فيهما من تشابه. ولو لم يكونا متشابهين لاستحالت المعرفة، ولو لم تكن المطابقة بينهما ممكنة لما علم أحد شيئاً. وتشابه النظامين الكوني والعقلي ليس فرضاً يحتاج إلى برهان بل هو جوهر إمكان المعرفة. ومن أنكره فقد أنكر المعرفة كلها. وهذا الإنكار خطأ يدل عليه ما حققه العقل من قدرة على التحكم في كثير من الأمور الطبيعية. ولم نكن لنستطيع تحقيق شيء من ذلك لو أن النظامين كانا مختلفين. ومهما تغيرت المعرفة ومذاهب التفكير وفهمنا للكون فإن الحقيقة التي تثبت ثبوتاً قطعياً هي هذا التوافق بين نظام الكون ونظام العقل». لكن هل يمكن أن نرسم معادلة يتوحد فيها العلم الإيمان فيصبحان وجهين لعملة واحدة أو طرفين لمعادلة مشتركة أو تجليين لحقيقة أساسية واحدة؟ الإيمان ليس معرفة باردة بل حالة نفسية تتحرك في مخططات لا تعرف الراحة، فقد تمر علينا في اليوم الواحد لحظات من القنوط، كما قد ننتعش بلحظات رائعة من الإيمان المحلق. وعندما وصف مالك بن نبي في كتابه «وجهة العالم الإسلامي» مصلحاً اجتماعياً وهو يستخدم القرآن وفق شروطه النفسية قال: «إنه لم يكن يفسر القرآن تفسيراً، بل كان يوحيه إلى الضمائر فيزلزل كيانها. فلم يعد القرآن على شفتيه وثيقة باردة أو قانوناً محرراً، بل كان يتفجر كلاماً حياً ونوراً يشع من السماء فيضيء ويهدي ومنبعاً للطاقة يكهرب إرادة الجموع». والحقيقة القرآنية هنا يتجلى أثرها في الضمير والحياة اليومية أكثر من النقاش في الذات والصفات. وكان عيسى بن مريم يخاطب الجموع «كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين»، وكان يكلمهم بأمثال قائلاً: هوذا الزارع قد خرج ليزرع فبعضه سقط على الطريق وإذ لم يكن له أصل جف فلما طلعت الشمس احترق، ومنه وقع على الأرض فاختطفته الطيور، ومنه وقع بين الشوك فلما طلع اختنق، ومنه وقع في الأرض الطيبة فأخرج مائة وستين وثلاثين. كان يسوع يقرب الأفكار المجردة بقصص واقعية تدب فيها الحياة. وما ينقص العالم اليوم ليس المزيد من كثافة المعلومات، فالكون رائع ومعقد وغامض ومبرمج وخلفه عقل مطلق، وما ينقص هو حرارة الإيمان والتربية الروحية، أي مزيج العقلانية والتصوف. لذلك فإن ما نحتاجه هو وثبة جديدة في الروح. إن عيسى بن مريم أراد أن يقول لتلاميذه عبرة في مثل الزارع الشيطان الذي يخطف القلوب كالطير تأكل الحب، والمحنة والاضطهاد تذهب بالإيمان السطحي، ومن يتورط في وهم العالم وغرور الغنى سيختنق في شوك الحياة، ومن يجد البيئة المناسبة سيعطي ثمراً رائعاً فلنتعلم من حكمة المسيح: أين نلقي بذورنا؟