يُفترض أن تكون دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وخاصة الإمارات، أقرب الدول إلى إيران؛ إذ ترتبط معها بعلاقات تاريخية تتعدى العلاقات الاقتصادية الحالية، لكن سوء إدارة سياسيي إيران للعلاقات مع جيرانها يعكس غياب الرؤية السياسية الصحيحة لدى طهران. واقعياً يصعب التفاؤل في التعامل مع «الجار» الإيراني. في كل خطوة يُبدي فيها الخليجيون حسن النية، نعيش قلقاً إلى أن نرى ردّ الفعل الإيراني تجاه السلوك الخليجي، وفي كل مرة يخيِّب الرد الإيراني ظن المتفائلين؛ حيث يكون سلبياً في الغالب، ويصل أحياناً إلى درجة غير متوقعة في السلبية. زيارة وفد مجلس الشورى الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، الأسبوع الماضي، مثّل تأكيداً على أن حسن النية معها ليس كما يعتقد دعاة الحوار أو التهدئة؛ لأن إيران تعتقد أن سياسة اليد الممدودة نوع من الاستسلام. الزيارة ليس لها أي مناسبة غير حسابات داخلية في إيران، وربما يكون أهمها الانتخابات الرئاسية والوضع الاقتصادي المتردي. لا يمكن لأحد أن يجادل بشأن سلبية المواقف الإيرانية تجاه الخطاب السياسي الإيجابي من دولة الإمارات ومملكة البحرين، اللتين تريان أن استقرار المنطقة مهم للجميع. بل من السهل أن تجد سياسات تتبعها إيران من شأنها تعكير أي محاولة تهدئة، سواء كان ذلك في البحرين أو في سوريا أو في اليمن، إذ تُصرُّ طهران على العمل من أجل اختراق منطقة الخليج من خلال اليمن باعتبارها «الخاصرة الخليجية اللينة»، أو العراق أو حتى لبنان، حيث تفتعل «جيوباً» سياسية لها. وتتجه السياسة الإيرانية دائماً نحو إثارة المشكلات، مع أن السمة الأساسية لدول الجوار في العالم كله هي الاتجاه نحو إيجاد الحلول المشتركة، وكأن هناك إصراراً من جانب إيران على عدم تصويب مواقفها وتصحيحها. تسير إيران عكس التيار منذ زمن، فهي تركز اهتمامها على اختلاق المشكلات اعتقاداً منها أنها «تُلهي» المواطن الإيراني وتشغله عن الاهتمام بقضاياه الداخلية. وإذا تتبعنا علاقات إيران بجيرانها، فسوف نجد أنها ليست على وفاق مع أي دولة منها. يشهد العالم حالياً مراجعات في الأولويات الاستراتيجية والاهتمامات السياسية، بما في ذلك الدول الكبرى، وهذه المراجعات تصبُّ في صالح الاهتمام بالقضايا الداخلية، بل إن أي تحرك سياسي إلى الخارج يكون من أجل تعديل الوضع الداخلي للدولة. وقد أخبرني صديق في معرض نقاش قريب حول الكتابة وموضوعاتها، أن القرَّاء ملّوا الموضوعات السياسية وأن الاهتمامات التي لها علاقة بالمواطن من قضايا مجتمعية واقتصادية تمثل أولوية لدى الجميع. ومن يقرأ التعليقات والتحليلات المختلفة في كل أنحاء العالم، يلاحظ أن هناك إجماعاً في دول العالم على الاهتمام بالقضايا الداخلية وتراجعاً ملحوظاً للاتجاه إلى القضايا الخارجية، ما عدا إيران وكوريا الشمالية. كدنا نقتنع بأن الاهتمام بخدمة مواطني الدول سيكون بالفعل الهدف الأساسي لهذه الدول، لكن زيارة الوفد الإيراني للجزر الإماراتية، والتي اخترقت كل القواعد الدبلوماسية وذكرتنا بتلك الزيارة التي قام بها قبل عام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، تؤكد أن إيران تفتقر إلى أدنى درجات الحصافة والاهتمام بما يدور على الأرض. للأسف، فإن زيارة وفد مجلس الشورى الإيراني للجزر الإماراتية ليست مفاجأة، إذ عوَّدتنا إيران على عدم الثقة وانتهاك مقتضيات حسن الجوار. لدى إيران منطق يختلف تماماً عن المنطق العالمي، ففي الوقت الذي يسعى فيه الجميع إلى ترتيب الأولويات لتكون القضايا الداخلية هي الأساس، تُفرِّط إيران حتى في أبسط عوامل تنشيط الوضع الاقتصادي، وهو مجرد التهدئة مع الجيران، ولا نتحدث هنا عن استراتيجية «تصفير المشكلات» التركية المعروفة، والتي أسهمت في تحقيق نهضة اقتصادية كبرى. يخطئ من يعتقد أن إيران تسعى إلى استقرار المنطقة، وأنها جار يمكن التعامل معه بسوية سياسية أو بشكل طبيعي. كان الأجدى بإيران أن تسعى إلى استلهام أفكار تنمية المجتمع وتطور العمل التنموي وتوظيف الثروة لمصلحة الشعوب من جيرانها، وأن تعمل على تنشيط اقتصادها المتردي الذي يتحمل ثمن تدهوره المواطن الإيراني البسيط، وأن تبدي حسن النية بدلاً من الممارسات التي تؤكد أنها غير صادقة في ما تدَّعيه من رغبة في معالجة نقاط الخلاف مع دول الخليج. تتوقع دولة الإمارات أن يكون هناك حوار إيراني حضاري مع دول الجوار، يليق بالخطاب الذي يبديه الجيران تجاه إيران. وتنظر الإمارات دوماً من زاوية أكثر نضجاً في التعامل مع الخلافات، وتتحرى المصالح التي تربط الشعبين تاريخياً، وتفرق بين ما يمكن أن يسيء إلى العلاقات مع جيرانها وبين آمالها في إزالة ما يعكر صفو التقارب، وتركز على ما يسهم في تقريب وجهات النظر، مع أن العكس هو ما يحصل من جانب إيران. أخطر ما في استفزازات إيران في التعامل مع جيرانها أنها لا تنتبه إلى أمرين يحصلان بهدوء: الأمر الأول أنها فقدت أي نظرة إيجابية من جانب المجتمعات العربية، ولم تعد هناك رغبة في التعامل مع السياسة الإيرانية، وأصبح عنصر الشك هو المحرك الأساسي تجاهها. وربما يكون ما واجهه نجاد في مصر خلال زيارته لمسجد السيدة زينب من المصريين ومن بعض الجاليات العربية (فلسطيني وسوري) ومحاولات الهجوم عليه، مؤشراً يمكن فهمه. الأمر الثاني، أن الوضع الاقتصادي الداخلي في إيران يزداد تدهوراً بفعل ممارسات سياسييها، وهو ما يدفعهم إلى ارتكاب المزيد من الأخطاء، وبالتالي فإن تدهور الوضع الاقتصادي يغدو أقرب إلى كرة الثلج التي تكبر مع مرور الأيام، وربما يُدفع ثمنها غالياً في لحظة غير متوقعة. إن هذه «الحلقة» من مسلسل الاستفزاز الإيراني تؤكد لنا أن إيران لا تبدي أي بارقة أمل في إنهاء خلافاتها مع جيرانها، وليس الإمارات فقط. وهذه الحالة ليست شاذة في السياسة الإيرانية، بل هي القاعدة الأساسية لها.