تتعاظم أشكال الهجوم على الثورة السورية وتتسع صيغها واحتمالاتها، كلما أخذت أبعاداً جديدة من التعقيد العسكري. ونلاحظ ذلك في سياق مؤتمرات تعقد داخلاً وخارجاً، إضافة إلى حوارات التي يدعو إليها سوريون وغيرهم حول"الحدث السوري". فهذا الأخير يرى فيه البعض حالة من الدعوة إلى تغيير المجتمع، دونما وضوح حول منظومة الأفكار والمفاهيم، التي يُراد لها أن تكون لصيقة بـ "الثورة". فإذا اعتبرنا هذه الأخيرة صيغة من "التغيير المجتمعي التاريخي"، وجدنا أن ذلك لا يخرج عن كونه ظاهرة تمر بها المجتمعات عموماً، ما يجعلنا نرى فيها أداة للتقدم، وهذا يظهر على صعيد سوريا، التي حيل بينها وبين التغيير الشامل والموضعي على مدى أكثر من أربعين عاماً. وحين ننظر إلى ذلك في ضوء المصالح التي يمتلكها بشر وفئات وطبقات ومجموعات اجتماعية إلخ، فإننا سنتبين حداً ما من الإجابة على التساؤل التالي: لماذا يظهر حدث أو آخر كالسوري، بمثابته موضع خلاف بل صراع بين أولئك البشر، خصوصاً إذا أبعدنا عن النظر الدلالة المعرفية الخاصة بهذا الحدث، وتوجهنا إليه بصفة كونه بالتحديد، تعبيراً عن مصالح اقتصادية ومادية معيشية؟ على ذلك الطريق، وفي سياق بحث موضوعي وعيني لدور المصالح في حياة البشر، سيتاح لنا تبين ما أطلقه مثلاً وزير الخارجية الروسي من آراء حول الحدث السوري في المؤتمر الصحفي، الذي عقد بين الأخير ونظيره الأميركي في التاسع من مايو 2013. لقد قال: إذا أتيح للمعارضة السورية الآن أن تكسب المعركة مع النظام السوري، فإن ذلك سيؤدي إلى الفوضى وإلى مزيد من الصراعات الطائفية والمذهبية وغيرها. فالوزير الروسي المذكور أراد تذكيرنا بأن ما يحدث الآن في سوريا إنْ هو إلا حالة من الخروج على شرعية تاريخها الذي يمتد أطول من أربعين عاماً. وبهذا، يُقصي الوزير المعني عدة دلالات من الحدث السوري: 1- أول تلك الدلالات أنه بلد يعيش أربعين عاماً دون أن يكتشف قادته الضرورة القصوى لإصلاحه بكيفية فعلية وجادة، بالرغم من تعاظم الفساد والإفساد والاستبداد في قطاعاته المختلفة بشكل مرعب. 2) أما الدلالة الثانية، فتظهر بوضوح في حصر الخطر في جانب المعارضة دون إشارة إلى دور النظام في تكريس ذلك. فتحزب الوزير الروسي يبرز ساذجاً جارحاً متحيزاً حيال المعارضة السورية، مع الصمت على ما أنجزه النظام في تحويل سوريا بهذا الاتجاه التفكيكي. وإذ نرى هذا الرأي، فإننا لا نغفل الأخطاء التي ترتكبها المعارضة أولاً، كما لا ننسى الرسائل المتتالية التي أطلقتها مجموعات وأفراد سوريون باتجاه التنبيه إلى ضرورة الإصلاح الديموقراطي الوطني في سوريا، تلك الرسائل التي لم يقرأها النظام فحسب، بل ترك الباب مفتوحاً أمام حركة الفساد والإفساد والاستبداد تلك، دونما لجوء إلى المسائلة الحازمة والجادة تجاه ما يكرّس تلك الحالة على نحو أودى بالبلد إلى نمط من التصدع الكبير. إذن، يريد الوزير الروسي أن يضع الثورة السورية في خانة التخريب، وذلك بصيغة الفوضى الهائلة التي ستحدثها في البلد، إذا انتصرت على نظام حول سوريا إلى مرتع للفساد والإفساد والاستبداد، إضافة إلى تخاذله أمام عدو العرب التاريخي على مدى أربع عقود، وعبر نظام أمني تقوده دولة أمنية تسعى إلى تجفيف منابع الرهانات التاريخية التقدمية في الوطن السوري الصغير. وإذا كان مناصرو النظام السوري جاؤوا من موقع أحوال الفساد والإفساد والاستبداد والوقوف في وجه جموع الشعب السوري العاملة باتجاه فتح التاريخ السوري رغماً عن اللذين حاصروه وأغلقوه، واعتبروه حكراً على دعاة "السلطة الأبدية"، فإن أنصار فئات الشعب من المفقرين والمذلين والمهانين يمتلكون الشرعية التاريخية والأخلاقية والوطنية، رغماً عن فوكوياما ومن يأخذ بآرائه التي أغلقت التاريخ العام، وتركته مفتوحاً أمام التاريخ الأميركي.