تحت شعار «الإعلام العربي في المراحل الانتقالية»، تستضيف الإمارات منتدى الإعلام العربي في دورة جديدة، حيث يجتمع قادة الإعلام وأصحاب الفكر والأقلام للتباحث معاً حول مستقبل السلطة الرابعة في عالمنا العربي. والسؤال المصيري، الذي أود أن أطرحه بين يدي المنتدى هو: هل الخطاب الإعلامي يتعامل مع الإنسان العربي كذكي أم غبي؟ كلنا يعرف خطورة الإعلام في العالم، فهو سلطة رابعة أضيفت إلى السلطات الثلاث في الحكومات، وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتأتي السلطة الإعلامية كراصد لمجريات الأمور ومحلل لها، وصانع للمستقبل عبر إعادة صياغة العقل لمتطلبات المراحل القادمة، هذا ما تقوم به أجهزة الإعلام في الدول المتقدمة، ومن أهم عوامل نجاحها النظر إلى المتلقي على أنه إنسان ذكي يفهم الرسالة الإعلامية ويعرف بعقله الناقد مدى صدقها من مكرها. ومن هنا اهتم أصحاب القرار الإعلامي في تلك الدول بما تقدمه البرامج وما تخطه الأنامل، فاستحقت تلك الأجهزة الإعلامية مكانة السلطة الرابعة في مجتمعاتها، لأنها احترمت عقول المتلقي، ولم تكن خلف الركب راكضة. بصراحة قد لا توجد وسيلة إعلامية غير مسيسة بدرجة أو بأخرى، ولكن ما يميز الأجهزة الممتهنة لهذه الصناعة مدى نجاحها في كسب ثقة المتلقي، والوقوف في صف الإنسان عبر الزمان، ففي الدول المتقدمة، نجد قنوات إعلامية ناطقة باسم الحزب الحاكم وأخرى معارضة له. والحق قد يكمن بين الطرفين، لكن أن تكون الأجهزة الإعلامية كلها ناطقة بنفس الكلمة والعبارة غير ناقدة، لما يجري في مجتمعاتها، فإن هذه الأجهزة بلا شك قررت التخلي عن مكانتها كسلطة رابعة، وهنا يكمن التحدي، فقد قرر الكثير من العرب الهرب من الإعلام المحلي لتواتر عثراته، وتم اللجوء إلى الإعلام الخارجي بكل قنواته أو تصديق ما تتناقله أجهزة الاتصال الذكية برغم خطورته. عندما تسافر كمثقف، وتقتني بعض جرائد الدول تزورها، تجد أن ما يميز بينها، لون صفحاتها أو جودة صورها، لكنها في المضمون متحدة، تشعر أن هناك خطأ ما في هذا البلد، ويزيد شكنا يقيناً عندما تجد أجهزة الإعلام ترسم بأجمل كلام لوحة، كي تزين صورة بشعة يعيشها الإنسان في ذلك القطر. فنظرة واقعية لمجريات الأحداث اليومية في تلك الدولة وجولة فكرية مع الطبقة المثقفة فيها، أو حتى إنسان الشارع، تجد تأكيداً أن الواقع، ليس ما تتناقله ألسنة الإعلام، بل ما يخطه الناس عبر رسائلهم اليومية وتغريداتهم الذكية، هنا تتأكد أن مكانة الإعلام العربي اليوم في ميزان لا يرحم، فمن كان منا مصدقاً في الماضي القريب أن بلد الصمود هو سوريا، تأكد اليوم أن قيادة تسحق شعبها لا تستحق تلك المكانة، ومن كان متيقناً أن سلاح المقاومة كان موجهاً للعدو عرف اليوم أنه في حقيقة الأمر يعيش خدعة انطوت عليه ردحاً من الزمن، وقس على هذه الشعارات ما يجري في بعض الدول العربية. فمتى يستيقظ الإعلام العربي من رقدة أهل الكهف، ليجد أن العالم قد تغير من حوله، وأن الناس يقرؤون الواقع ولا يؤمنون بالشعارات، وأن عقول البشر أضحت أذكى من العبارات الغبية، التي تستخدمها بعض القنوات العربية. فكم من قناة فقدت مكانتها عندما أضاعت بوصلتها، وتعاملت مع الإنسان على أنه غبي، يصدق ما تتقاذفه أجهزة الإعلام تحت شعار اكذب ثم اكذب ثم اكتب، كي تكتب عند الناس مفكراً وللحقيقة مفبركاً.