في نهاية عام 2009، سنة الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد عالم الطبيعة البريطاني الشهير "تشارلز داروين"، صاحب النظرية المعروفة في مجال تطور الإنسان، والذكرى الخمسين بعد المئة لصدور كتابه "أصل الأنواع"، الذي ظهر في لندن في نوفمبر 1859، أجريت دراسات في تسع مدارس حكومية مصرية، تُدرس بها نظرية التطور للأعمار من 12 إلى 13 سنة، أظهرت، كما جاء في الصحف، "أن لا أحد من أصل 30 مدرس علوم من الذين شاركوا في الاستقصاء، يؤمن بالنظرية التي يقوم بتدريسها. ويضيف الكاتب الكويتي أحمد الصراف في مقاله، بإحدى الصحف الكويتية أن دراسات أخرى بينت في جامعة خاصة في دولة الإمارات "أن 15 في المئة من الهيئة التدريسية فقط تؤمن بأن هناك ما يكفي -من الأدلة- لتأكيد نظرية التطور". وقال الكاتب إن سبب ذلك في جانب رئيسي منه يعود إلى "قوة الإيمان الديني. ولكن لا ينبغي أن نغفل كذلك، كما أشار عن تدهور المستوى العلمي للطلاب في العالم العربي. والواقع أن عام 2009 ذا الأهمية الخاصة في الاحتفاء بنظرية التطور، شهد كذلك حدثاً علمياً ذا تأثير بالغ على النظرية نفسها، عندما أعلن العلماء في الولايات المتحدة "أن هيكلاً عظيماً لإنسان عاش قبل 4.4 مليون سنة يُظهر أن البشر لم يتطوروا عن أسلاف يشبهون قرد الشمبانزي. وقال الباحثون إن الحلقة المفقودة، أي الجد المشترك بين الإنسان والقردة الحديثة كان مختلفاً عن الاثنين، وتطورت القردة تماماً بقدر ما تطور الإنسان عن هذا الجد المشترك". وأكد العلماء، كما أضافت الصحيفة، أن "آردي" ربما تكون الآن أقدم أسلاف الإنسان المعروفين، "لكنها ليست الحلقة المفقودة". وقال العلماء إن الهيكل يمثل أنثى "أرديبيتيكوس راميدوس". وعاش هذا النوع قبل 4.4 مليون سنة في إثيوبيا. وهذا الهيكل الذي يبلغ طوله 120 سم، أقدم بمليون سنة من "لوسي"، وهي هيكل اسمه العلمي "استراو بيتيكوس افارنسيس"، الذي يعد من أهم الأصول البشرية المعروفة، ورجحت الأبحاث أن يكون الإنسان والشمبانزي قد افترقا قبل ستة أو سبعة ملايين سنة. وكتب الباحثون في تقريرهم بمجلة "ساينس" أن الواضح تماماً أن "آردي" واحدة من أسلاف البشر، وأن السلالات المنحدرة منها لم تصبح قردة شمبانزي أو أي نوع من القردة المعروفة حالياً. الفريق الذي كان يشرف عليه العالم "تيم وايت"، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، عثر في نوفمبر 1994 على أجزاء من عظام إصبعين، "وكشفت عمليات النبش الإضافية عن بقايا حوض وقدمين ويدين وبعض أجزاء من جمجمة. وبحلول يناير 1995، أدرك العلماء أنهم وقعوا على كنز في علم أصول الجنس البشري حطمه الزمن وهشّمه، وهكذا ظهرت "آردي". وحصل العلماء -في الموقع نفسه- على مجموعات كبيرة من العينات من الذكور والإناث، على رغم أن العظام كانت بمعظمها متفرقة ومعزولة. وتعطي "آردي" معلومات تفوق ما قدمته "لوسي" بأشواط. ففي هذا النموذج، نملك الدين والقدمين وبيئة أكثر تكاملاً وهيكلاً عظمياً شبه مكتمل. كذلك تعتبر "آردي" أقدم، وصِلَتها بالرئيسيات -القردة العليا- أوضح. إنها تظهر عملية التحول من سلف عادي إلى فصيلة القردة العليا. ويؤكد العلماء ألا مجال للشك في أن أصل الجنس البشري تطور من الرئيسيات الباكرة". عم الترحيب في بعض الصحف العربية بتقديم أنثى ما قبل التاريخ "آردي"! وقالت إحداها "إن اكتشاف آردي يعتبر رفضاً لنظرية النشوء والتطور لشارلز داروين". وقالت إحدى الصحف الكويتية: "إن العلم ينسف نظرية داروين: فأصل الإنسان إنسان". وجاء في صحيفة أخرى "أن من شأن الهيكل أن يتحدى النظريات السائدة حول عودة أصل الإنسان إلى الشمبانزي، أقرب المخلوقات إلينا من حيث التكوين الجيني". وبعد أقل من عام، نشرت الصحف أنباء عن اكتشافات جديدة في مجال التطور البشري. فقد أكد علماء أنهم عثروا على ما يعتقدون أنه آثار لمرحلة غير معروفة حتى الآن من مراحل التطور. وأشاروا إلى أنهم توصلوا إلى هذا الاكتشاف من خلال تحليل الشفرة الوراثية لعظم إصبع عثروا عليه في حفريات بسيبيريا. وجاء في مقال علمي في الصحافة الكويتية بقلم د. جمال حسين، أن علماء معهد "ماكس بلانك" في لايبزك الألمانية لدراسات نشوء الإنسان وتطوره، أن الإصبع الذي عثروا عليه لإنسان، عاش من قبل نحو 30 ألف عام. وأنه ليس خاصاً بشخص من الجنس البشري الحديث، "هومو سابينس"، وهو الشكل البشري الوحيد السائد على الأرض حالياً، وليس خاصاً بإنسان "نيندرتال" الذي انقرض قبل نحو 35 ألف عام. ويذهب الباحثون الألمان إلى حدوث موجة أخرى من هجرة أشكال البشر البائدة من أفريقيا التي يعتقدونها الوطن الأول لجميع الأنواع البشرية. وكان العلماء يعتقدون حتى الآن، أن البشر الحاليين وإنسان نيندرتال والإنسان بقامته المنتصبة، هم فقط الذين نجحوا في قطع هذه المسافة الطويلة إلى سيبيريا خلال موجات الهجرة. ويبدو أن الكائن الذي اكتشف حديثاً لا ينحدر من المجموعة الأولى لأجداد الإنسان من سلالة "هومواركتوس"، أي الإنسان بقامته المنتصبة، التي غادرت أفريقيا قبل 1.9 مليون سنة -نحو مليوني عام- أي 900 ألف سنة قبل الظهور المفترض للسلف المشترك للإنسان المعاصر. وذكر الباحثون بأن البيانات الأثرية والجينية تشير إلى تكرر الهجرة خارج أفريقيا مرتين على الأقل بعد الهجرة الأولى، وذلك في حقبة أسلاف النيندرتال منذ 300 ألف إلى نصف مليون سنة، والثانية منذ خمسين ألف سنة في حقبة الإنسان الحديث الذي ينتمي إلى فصيلتنا الآن. وحتى وقت ليست ببعيد، كان يعتقد أن كائنات الجنس البشري الوحيدة التي تواجدت على الأرض منذ أربعين ألف عام، كانت من سلالة النيندرتال والإنسان المفكر. وتحدثت الصحف الألمانية عن أن فريق لا يبزغ قد نجح في فك نحو 65 في المئة من جينوم "النيندرتال"، عبر أخذه أجزاء صغيرة من الحمص النووي ومضاعفتها ملايين المرات. ويقول أحد العلماء إن تقنيات فك الشفرات المستخدمة لتحليل جينوم "النياندرتال" تمثل قفزة نوعية عن تلك التي كانت تستخدم منذ عقد من الزمن لفهم جينوم الإنسان الأول. فقد استغرقت عملية فك الشفرة الجينية البشرية في عام 2001 عشر سنوات، وتطلّب مئات الملايين من الدولارات. وفي عام 2005 تم تنفيذ المهمة بسرعة أكبر بألف مرة وبالسعر نفسه. من جهة أخرى، تظهر المقارنات بين جينوم النيندرتال والموروثات البشرية، الكثير من أوجه الشبه، والقليل من الفوارق. ويعقب "أدريان بريجر"، أحد الباحثين في معهد ماكس بلانك أن "الإنسان والنياندرتال متشابهان بنسبة 99.5 في المئة، لكن ثمة فوارق ملحوظة في 212 منطقة على طول سلسلة الحمض النووي. وقد تستخدم المقارنات بين الجينومين كدليل على تطور الإنسان منذ انفصل النوعان منذ 300 ألف عام". وفي مجال مقارنة تلك المعلومات، بما يتعلق بالإنسان المعاصر، قارن العلماء "جينوم" النياندرتال بعينات من أناس عصريين يعيشون في جنوب أفريقيا وغربها وفرنسا والصين وبابوا غينيا الجديدة. إلا أن أوجه الشبه التي عثروا عليها بين النياندرتال وموروثات غير الأفارقة فاقت تلك التي جمعت النياندرتال بالأفارقة العصريين، إذ يشبه النياندرتال الأوربيين أكثر من الأفارقة. ويقول أحد الباحثين إن هذه النتائج تشكل صفعة على وجه أنصار التمييز العرقي، بما أنها أظهرت أن الأفارقة (هم البشر المعاصرون الأنقياء الوحيدون". خليل علي حيدر كاتب ومفكر - الكويت