تراهن الحكومة الهندية بقيادة حزب "المؤتمر"- وهي التي تعاني فضائح فساد، والعاجزة عن كبح جماح التضخم، والمحبِطة في جهودها الرامية إلى الدفع بالإصلاحات - على برنامج للأمن الغذائي اليوم لإنقاذها من السقوط وتحسين فرصها في الفوز بانتخابات 2014 العامة. وقد يكون مشروع قانون الأمن الغذائي، الذي أُدخل إلى البرلمان مؤخراً أكثرَ مشروع طموحاً بالنسبة لحكومة حزب "المؤتمر"، وقد حرصت رئيسة الحزب شخصياً سونيا غاندي على أن يتم إدخاله في هذه الدورة ذاتها. وإذا كان التشريع لم يمرر من البرلمان بعد، فإنه يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للائتلاف الحاكم بزعامة حزب "المؤتمر"، الذي يحاول تمريره منذ أن عاد إلى السلطة في 2009. التشريع، الذي سيطلق واحداً من أكبر برامج الأمن الغذائي في العالم، يضمن معونات لأكثر من 60 في المئة من سكان الهند البالغ عددهم 1?2 مليار نسمة. وتهدف المبادرة إلى خلق شبكة أمن غذائي واسعة في البلاد، في وقت ارتفع فيه تضخم أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية، بحيث بات يناهز رقمين في بعض الأحيان. ويضمن مشروع القانون، الذي يحظى أيضا بدعم "راهول غاندي" الشاب، حداً أدنى شهرياً، هو خمسة كيلوجرامات من الأرز بـ3 روبيات للكيلوجرام والقمح بروبيتين للكيلوجرام لكل عائلة. أما أفقر الفقراء، فيصبحون مؤهلين للاستفادة من 35 كيلوجراماً من الأرز المدعوم في الشهر. ويمكن أن يستفيد من هذا البرنامج نحو 800 مليون نسمة، ما يرفع عدد المستفيدين من برنامج الإعانة الغذائية الحالي بأكثر من أربعة أضعاف. وحسب الحكومة، فإن مشروع قانون الأمن الغذائي يركز بشكل خاص على احتياجات أفقر الفقراء، والنساء والأطفال. وفي حال عدم تموين الحبوب الغذائية، سيحصل الناس على "بدل الأمن الغذائي". كما ينص مشروع القانون على آلية تقويم وعلى عقوبة للمسؤولين الحكوميين الذين يثبت أنهم لا يحترمون القانون. ويشار هنا إلى أن نحو 75 في المئة من السكان الريفيين، وما يصل إلى 50 في المئة من سكان المدن، سيصبح لديهم برنامج استحقاق موحد للحبوب المدعومة. التشريع قطع أشواطاً طويلة في الواقع. فقد أُدخل أول مرة في البرلمان في 2011، ثم أحيل على اللجنة البرلمانية للغذاء والتوزيع العام، التي أخذت آراء العديد من المعنيين مثل الوزارات الفدرالية، والمنظمات وحكومات كل الولايات. وبناء على توصية اللجنة، تقترح الحكومة الآن نسخة جديدة من التشريع بهدف تعزيز وتقوية التغطية الغذائية لملايين الهنود، الذي لم تصلهم بعد ثمار النمو الاقتصادي للهند والخروج من الفقر. ويعتبر هذا التشريع مهماً في بلد معروف بأنه من بين أسرع اقتصادات العالم نمواً، ولكنه يسجل مستويات جوع وتغذية أسوأ من تلك الموجودة في أفريقيا جنوب الصحراء. ومما لا شك فيه أن هذا هو أكثر مخططات الحكومة طموحاً، ولكن من الواضح أنه يستهدف الانتخابات التي من المحتمل أن تجرى في أقل من عام. ذلك أنه عندما يطبق هذا المشروع على الأرض، سيمثل أحد التشريعات المميزة التي تأمل الحكومة بزعامة حزب "المؤتمر" أن يساعدها على كسب مزيد من الأصوات. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الحكومة بقيادة حزب "المؤتمر" كانت مررت خلال آخر ولاية لها في السلطة "قانون الضمان الوطني للتوظيف الريفي"، الذي يضمن 100 يوم من العمل والأجر المضمونين للفقراء. وهو القانون الذي ساهم في نجاح حزب "المؤتمر" خلال الانتخابات الأخيرة. غير أن المنتقدين، ومن بينهم وزير الزراعة في الحكومة الفيدرالية، يشيرون إلى أن مشروع قانون الأمن الغذائي سيؤدي إلى ارتفاع فاتورة الإعانات الحكومية، وهو ما من شأنه توسيع العجز المالي. ولكن مبعث القلق الرئيسي بالنسبة للحكومة هو وكالات التصنيف الائتماني الدولية التي حذرت من أن تصنيف الهند الائتماني سيتراجع من دين سيادي إلى وضع جد متخلف، إنْ هي لم تعمل على تقليص العجز الذي بلغ 5?8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2011-2012 . وحسب اعتراف الحكومة نفسها، فإن برنامج الأمن الغذائي سيكلف 950 مليار روبية سنوياً من أجل توفير حبوب غذائية مدعومة لنحو 768 مليون نسمة. ويذكر هنا أن الحكومة تنفق حاليًا 630 مليار روبية من أجل 180 مليون نسمة من فقراء الهند. ووفق تقديرات البنك الدولي، فإن 60 في المئة من الإعانات الغذائية تحت المخطط الحالي لا تصل إلى سكان الهند الفقراء. ولكن بالمقابل، ينتقد المدافعون عن الحق في الغذاء الحكومةَ لأنها لم تذهب في نظرهم إلى حد أبعد ضمن جهودها الرامية لمساعدة الفقراء ولأنها تقصر برنامجها على القمح والأرز فقط. كما يشير منتقدون آخرون إلى أن الحبوب يمكن أن يساء تحويلها تحت نظام التوزيع العام المعروف بأنه يعاني عدة ممارسات فاسدة. ويقولون أيضاً إن كميات ضخمة من الحبوب الغذائية التي ستعطى في إطار القانون المقترح تواجه خطر إساءة تحويلها في ظل هذا البرنامج، لأنها ستطبق عبر نظام توزيع عام مشهور بفساده. غير أن تطبيقاً ناجحاً للبرنامج، بالمقابل، سيعني أن العائلات الفقيرة ستصبح قادرة على أن تدخر أكثر. والأكيد أن مشروع قانون الأمن الغذائي ينطوي على سلبيات وإيجابيات، ولكن الاختبار الحقيقي سيكمن في التطبيق.