كانت إسرائيل، وعلى مدى الأشهر الماضية، تُروّج لاستعداداتها لضرب إيران، وكانت تسعى إلى حشد العالم ضدها. منذ أيام قصفت إسرائيل مواقع سورية مهمة في جبل قاسيون المطل على قلب دمشق وريفها في كل الاتجاهات، كما قصفت مواقع أخرى في مناطق سبق أن تعرضت لغارات تحت عنوان: استهداف قافلة تنقل سلاحاً نوعياً من سوريا إلى "حزب الله". كانت تسريبات تقول إن القصف استهدف أيضاً أسلحة تابعة لـ"حزب الله". الحزب نفى، ومن سوريا لم يكن ثمة وضوح في تحديد المواقع التي تعرضت للقصف. لكن الهزة السياسية تجاوزت حدود الشام. نتنياهو كان يستعد لزيارة الصين، أعلن تأجيل الزيارة، عقد اجتماعاً للمجلس الوزاري الأمني المصغّر، رصد ردود الفعل، ثم ذهب إلى الصين بعد أن تلقى اتصالاً من الرئيس الروسي دعاه فيه إلى الهدوء وعدم الانزلاق نحو المواجهة الشاملة. هذه هي حدود الموقف الروسي، كانت رسالة تطمين لدمشق أن ليس ثمة استهداف مفتوح، ليس ثمة مواجهة. الرئيس الأميركي بارك العدوان : "من حق إسرائيل أن تتخذ كل الإجراءات لحماية نفسها من حزب الله". العنوان: "حزب الله" الهدف. حزب الله – سوريا- إيران، الكل في موقع واحد، فرنسا وبريطانيا أيدتا العملية، إيران رفضت، هددت، أرسلت خبراءها العسكريين إلى دمشق، وجاء وزير خارجيتها إلى الأردن ومنها إلى العاصمة السورية، التقى الأسد: إيران وسوريا في خندق واحد لأيام، لم تصدر كلمة من الشام سوى تصريح لوزير الإعلام بعد اجتماع للحكومة: "هذه مؤشرات عدوان على سوريا. سوريا تعرف متى ترد وتحتفظ لنفسها بحق الرد في التوقيت المناسب"! العرب عموماً غائبون. الشام تتعرض لقصف إسرائيلي. عاصمة عربية مهمة هي دمشق تغير عليها الطائرات الإسرائيلية، لا موقف، لا كلمة باستثناء استنكار واضح للعدوان من السعودية وبعض الدول، هذه هي حدود الموقف. الذي ضرب ضرب، والذي هرب هرب كما يقال. والضربة أفادت النظام في مكان آخر. قوات النظام تقدمت في عدد من المناطق، ولو عن طريق ارتكاب المجازر الجماعية بحق المواطنين وإحراق الأخضر واليابس. فالمعركة معركة حياة أو موت. هكذا يرونها. ودور "حزب الله" ومشاركته الفعلية في القتال شكلت عنصراً حاسماً في هذا التقدم. الضربة جعلت النظام يقول إنه يواجه إرهابيين: إرهاب إسرائيل، إرهاب الدولة المنظم، الذي يستبيح كل شيء، وإرهاب التطرف في الداخل! وهذا بحد ذاته ما أراد تسويقه منذ بداية المعركة. ويجب الاعتراف بأنه وقبل الضربة قد نجح، وبسبب عدم وحدة المعارضة، وعدم توفير الدعم اللازم لها من الأساس من الدول التي تتحدث عن ضرورة التغيير في سوريا، وأن لا مكان للأسد في التركيبة المستقبلية، وبسبب الضياع العربي، وعدم وجود رؤية موحدة، وبسبب ممارسات انزلقت إليها فصائل معارضة وهي لا تطمئن على الإطلاق، وأيضاً بسبب الموقف الإسرائيلي المؤثر أميركياً وروسياً والذي يوضع في اتجاه إطالة أمد الحرب في سوريا لتدميرها وتفتيتها، وكذلك بسبب لعبة المصالح الدولية، والتي تصبّ في الاتجاه ذاته، إلى حين اتفاق الكبار على مصالحهم الاستراتيجية! في هذا الوضع، روسيا طمأنت سوريا أن لا حرب مفتوحة ضدها، وفي موسكو كان لقاء لوزير الخارجية الأميركي مع الرئيس الروسي ووزير خارجيته. النتيجة كان اتفاق على عقد مؤتمر دولي حول سوريا أساسه مؤتمر جنيف. لا بدّ من جنيف 2 هذا الموقف أكد التقارب بين الدولتين، ما يعزز وجهة النظر الروسية. أي ما يريح القيادة السورية! فالمعارضة تتطلع إلى دعم غربي أساسه أميركي. وأميركا في مكان آخر، وحتى إسرائيل في مكان آخر ولو كانت قد اعتدت على الأراضي السورية. لم تخرج الأمور عن مسارها الأساسي. كذلك سقط بعض المسؤولين أوالرموز المحليين أو المنخرطين في صفوف المعارضة في الفخ. أطل بعضهم ليعبروا عن ارتياحهم للضربة. هذا خطأ كبير ربما حصل عن سابق تصور وتصميم. ربما لا . أياً تكن الأسباب، هو خطأ، هذه إسرائيل، هي العدو الأساس، وليس ثمة مبرر للاتكال عليها، أو الارتياح إلى أي خطوة من خطواتها. هي تستهدف الجميع، ولا تريد الخير لأحد، فكيف إذا كانت متهمة من الأساس بأنها تقف بشكل أو بآخر وراء التردد الأميركي والغربي عموماً في دعم المعارضة السورية، وكذلك لها تأثيرها ونفوذها في دوائر القرار الدولي . ومصلحتها تقضي بأن تستمر الحرب كما ذكرنا؟ بعد الاجتماع الروسي- الأميركي قال وزير الخارجية الأميركي: "سنتعاون على تطبيق جنيف، والنظر إلى مصالحنا الاستراتيجية، والتي تشمل مكافحة الإرهاب، والتطرف ومنع تفكك سوريا". (هذه نقطة مهمة بعد المجازر التي ارتكبت في بانياس والحديث عن عمليات تطهير عرقي في مناطق معينة وتكثيف الإشارات حول احتمال التقسيم، بل حول بدء تحققه على الأرض). وأضاف كيري: "البديل هو اقتراب سوريا من الكارثة. وحتى السقوط في الهاوية وفي الفوضى". ومن المستحيل لي شخصياً تفهم كيف يمكن لسوريا أن تحكم في المستقبل من قبل الرجل الذي ارتكب الأشياء التي نراها الآن. لكنني لن أقرر ذلك هذه الليلة وفي نهاية المطاف. لا مكان للأسد في حكومة انتقالية "! لافروف قال: "موسكو ليست قلقة على مصير الأفراد. روسيا وأميركا ستفعلان ما بوسعهما لتأمين جلوس المعارضة والحكومة إلى طاولة المفاوضات". هذان الموقفان يصبّان في خانة الثابت بين الدولتين الذي لم يتغير منذ فترة طويلة. قبل جنيف وبعده. والذي عبّر عنه بدبلوماسية دقيقة جداً. أشرت إليه أكثر من مرة وأكرر اليوم. الموقف الأميركي يقول: "تنحّي الأسد ليس شرطاً لبدء العملية السياسية" والموقف الروسي يقول: "بقاء الأسد ليس شرطاً لانتهاء العملية السياسية". يعني كل شيء وارد في انتهاء هذه العملية. المهم هو انطلاقها. كيف تنطلق؟ هذا توقيت مناسب بعد الضربة الإسرائيلية والمجازر في الداخل والحديث عن التفكك ونمو الحالات الإرهابية ودورها. المعارضة رفضت أي شكل من أشكال الحوار في ظل وجود الأسد، وتركيا اتهمته بإقامة "دولة نصيرية". كان النقاش حول السلاح (الموجود لدى حزب الله) مركزاً على ضرورة استخدامه فقط في وجه الاحتلال الإسرائيلي لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وعلى أن تقر استراتيجية دفاعية يتفق عليها اللبنانيون لتحقيق هذا الهدف والاستفادة من إمكانات المقاومة. كان البعض يقول: هذا السلاح مرتبط بانتهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. اليوم أصبحنا استراتيجياً أمام تحرير سوريا، واستراتيجيا الدفاع عن سوريا في وجه الإرهاب وفي وجه إسرائيل... وسيكون لذلك انعكاسات كبيرة على الواقع اللبناني وعلى كل المحيط. كان الحديث في السابق عن ضرورة عقد مؤتمر دولي حول فلسطين. أصبح المؤتمر الدولي حول سوريا. وفلسطين تهوّد وتدمر ويعتقل مفتيها في القدس، وتعمل إسرائيل على تقسيم المسجد الأقصى فيها من خلال تحديد مواعيد العسكرة للمسلمين واليهود في محاولة لتكريس أمر واقع ما بعد تخلي بعض العرب عن المبادرة العربية... ذاهبون إلى حروب مفتوحة في سوريا وعليها، وإلى مزيد من الفرز المذهبي والطائفي والدمار والخراب.