من الملاحظ أن أغلبية حكومات العالم غدت حريصة على اختراق خصوصيّة الأفراد، بحجة مكافحة الإرهاب، الذي أنكوى العالم بناره، وعلى رأسها حكومة الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد أن سهّلت شبكة الاتصالات الإلكترونيّة تبادل المعلومات، وفي بعث رسائل مشفّرة لجماعات بعينهم. بلادنا العربية شعوبها حديثة العهد في التعبير جهراً عن آرائها تجاه مسؤوليها وما يجري على أرضها، لذا كان قلق حكوماتها مضاعفاً! هي لم تعتاد أن يكتب شخص على صفحته خبراً يفضح ممارسات مسؤول! أو يكشف أحدهم الستار عن تورّط وزير في فضيحة فساد! أو يستخدم البعض صفحته للإفصاح عن رأيه، حول قرارات حكومة بلاده! كانت الحكومات العربية في الماضي تفعل ما تُريد وهي مسترخية على الآرائك، ضامنة أنها لن تستيقظ في اليوم التالي لتجد أن ما قامت به بالأمس قد أصبحت تتناقله الألسن، وأن فضيحتها قد غدت "بجلاجل"، وأن العيون مصوّبة إليها في جرأة بنظرات تنضح بمئات الأسئلة! تيقّنت الحكومات من لحظتها أنها قادمة على عهد جديد، وأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها أدوار لا يستهان بها خاصة بعد أن أسهمت مساهمة فعّالة في إشعال فتيل الثورات، وفي تأجيج مشاعر الشباب وتحفيزهم على الثورة ضد الظلم، وتشجيعهم على تكوين تجمعات كبيرة نجحت في إسقاط أنظمة جثمت على صدور شعوبها سنوات طويلة وحكمتها بالحديد والنار! مؤخراً، أثارت شركة (تويتر) جدلاً كبيراً، بعد أن رفضت طلبات دولية وصلتها، لإخضاع شبكة التواصل الاجتماعي (تويتر) لرقابة شبكة اتصالات الخاصة بكل دولة، على اعتبار أن هذا الموقع أسسته الشركة ليكون منبر رأي حراً لكافة مستخدمي تويتر، وأن المساس به فيه تعدٍ على خصوصيّة الأفراد! "تويتر" رأت أن من الممكن اختراق حساب الأشخاص في حالات معينة، كوقوع حكم قضائي على صاحب الحساب، أو كان متورطاً في قضايا أمنيّة، كالإرهاب، أو الاتجار بالبشر أو المخدرات. وهنا أتذكّر مقولة جميلة للمفكر الفرنسي النوبلي (أندريه جيد) "لا يعني شيئاً أن تعرف كيف تتحرر، فالمهم أن تعرف ما بإمكانك فعله بحريتك". الكلمة مسؤولية كبيرة، ولها مفعول السحر عند الناس، وبإمكانها قلب الموازين داخل المجتمعات، لكن هذا لا يعني القبض على أقلام الناس بحجة حماية أمن المجتمعات! صحيح من حق أجهزة أي دولة الكشف عن هوية من تتأكد تورطه في الإرهاب، أو غيره من القضايا التي تؤدي إلى زعزعة أمن الأوطان، لكن توقيف شرطي على كل باب يخصُّ ملكيّة الأفراد لمجرّد أنهم أبدوا رأيهم في سلبيات مجتمعهم، أو نفّسوا عن غضبهم من كم الاختراقات الواقعة داخل أوطانهم، لا يعني أن المرء أخطأ في استخدام حريته! جميعنا نجيد أدواراً معينة، لا يُوجد ممثل (بتاع كلّه)! كلنا نقوم بمهامنا التي سخّرنا الله لها والتي نُجيد صنعها. ومن يدخل في معركة لا يؤمن بها، حتماً سيخرج خاسراً منها. هناك شعرة فاصلة ورقيقة بين الحرية والمسؤولية، والخروج عن النص لا يعني أن الممثل نسي دوره، أو أنه لم يسمع صوت الملّقن، بل يعني في أحيان كثيرة بأنه اندمج مع جمهوره وقدّم أفضل ما عنده كي يحظى بإعجاب كل من حضر لمشاهدة مسرحيته. هل بالفعل الحرية لا بدَّ أن يُحسن المرء استخدامها كما يرى "إندريه جيد"؟! هل يحتاج صاحبها إلى وعي كافٍ، أم أنه تبرير مائع يُراد به تكميم الأفواه كي لا تجهر بحقوقها؟! الحرية يا سادة بالمختصر المفيد لا تُباع في الدكاكين الصغيرة المنتشرة على الطرقات السريعة!