نكاد نجزم بأن إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعرف، ولا تتعامل بالشعارات الرنانة، ولا الأصوات العالية بالصراخ والعويل، ولا الويل ولا الثبور. يقول أحد الخبراء المخضرمين في الشأن الإسرائيلي، من خلال معرفتنا الدقيقة بإسرائيل الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية مع العدو قبل الصديق بالنسبة لها طبعاً لم تقل شيئاً ثم تخلت عن فعله. ومنذ الزيارة الأخيرة لأوباما إلى منطقة الشرق الأوسط، والأحاديث والتحاليل تتركز على قضية ضرب إيران من خلال المفاعل النووي، وكان الحديث حول هذه المسألة الحساسة يدور قبل هذه الزيارة حول إمكانية قيام إسرائيل بضربة استباقية للمفاعل النووي الإيراني دون أخذ إذن مسبق من أميركا، وهي الراعي الرئيسي لها في كل صغيرة وكبيرة من شؤونها منذ أكثر من ستة عقود. وطوال الفترة الأولى من رئاسة أوباما كانت إسرائيل تضغط بكل ما تملك من أدوات قوة السياسة لإجبار أميركا على إعطائها الضوء الأخضر للقيام بالهجمات الجوية على المفاعلات النووية الإيرانية، إلا أنها لم تجد ما تريد ميسراً أو سهلاً، حتى جاءت الزيارة الأخيرة لتضع على رأس أجندة أوباما الموافقة المفتوحة على هذه الضربة الاستباقية ومن دون إذن مباشر من أميركا. والآن بعد هذه الانفراجة لمصلحة إسرائيل، يدور الحديث من جديد حول مشاركة أميركا للخطوة الإسرائيلية المرتقبة تجاه إيران، وعدم ترك إسرائيل وحدها في هذا الميدان الذي يجب على أميركا عدم التخلي عن ربيبتها فيه، في مثل هذه الظروف الصعبة. ولا نعلم من البعض المستغرب حدوث هذه الضربة التي جميعنا لا نريد أن تقع لإيران، ولا لغيرها من الدول لأنها لن تضر إيران وحدها، بل لابد وأن يتأثر جيرانها بذلك وليس في ذلك أدنى مصلحة لأحد إلا لإرضاء غرور وتجبر وتكبر إسرائيل على العالم كله. مع أن إسرائيل قد سبقت لها أفعال سبقت أقوالها في سوريا وتونس والسودان، فضلاً عن حروبها المباشرة مع دول الجوار لديها، ولم تكن تصرح كثيراً عن كل ذلك حتى غدا عنصر المفاجأة والمباغتة هو الطاغي على المشهد العام الذي أحياناً ما يستعصي على المحللين والمتابعين والمراقبين إيجاد تفسير منطقي في علم السياسة الدولية لتبرير فعائل إسرائيل الصادمة للبعض المفكر المندهش. إن صراحة إسرائيل في التعامل مع عالم السياسة الخارجية هي التي تربك المعادلات السياسية القائمة على الرتابة في تقدير المخاطر أو المصالح. ويمكن معرفة شهرة إسرائيل بالصراحة، من خلال هذه المزحة القديمة، والتي تقول بأن صحفياً سأل إسرائيلياً وروسياً وأميركياً "عذراً هل يمكنني معرفة رأيك في نقص الغذاء في أفريقيا؟". فرد الروسي "ماذا تعني كلمة (رأي)"؟، وتساءل الأميركي "ماذا تعني كلمة (نقص)"؟. أما الإسرائيلي فتساءل "ماذا تعني كلمة (عذراً)"؟ واشتهر نتنياهو باستخدام كلمة في العبرية وهي "دُغري" والتي تعني "صريح"، عندما قال لعباس في مقر الأمم المتحدة، إن الحديث "دغري" هو الأسلوب الوحيد لتحقيق السلام. وعندما استهدفت إسرائيل شحنة أسلحة في سوريا، قال إيهود باراك: "إن ذلك دليل على أننا عندما نقول شيئاً نقصده". بالمقابل الطرف الآخر، العرب أو غيرهم، لا يملكون في التعامل مع إسرائيل بذات الصراحة لأنها تخشى من أشواكها الخارجية من أصلها العبري، فالإسرائيلي الأصلي بالعامية تعني "صابرا"، وهي مشتقة من نبات الصبار الشائك من الخارج، فكم يحتاج العالم من الصبر لتحمل صراحة إسرائيل الشائكة؟!