صناديق الانتخابات التي تستخدم في سباق الرئاسة هي نفسها التي تستخدم في انتخابات الغرف التجارية، أو مجالس الشورى، أو حتى في الانتخابات الرياضية، نفس المهمة واللون والحجم في حالات، حتى أنها قد تتشابه في نوعية الأقفال التي تستخدم وشكل الشمع، أو الحبر الذي نطمس به أصابعنا، وطبيعي أن نستخدم أيضاً الأدوات والحيل نفسها لاكتساحها والفوز بنتائجها، فالانتخابات مجرد لعبة كما اتفقنا على تسميتها وكما آمنا بمشروعية الأساليب التي نتبعها في التنافس ومحاولة لفت الأنظار وكسب الأصوات، على رغم أننا ننقد ونهاجم تلك الممارسات، هذا إذا خانتنا أوراق الصندوق، ولم يحالفنا شرف الفوز. التصريح الأخير الذي أدلى به رئيس اتحاد كرة القدم والمرشح الذي خذله صندوق انتخابات اتحاد رئاسة الاتحاد الآسيوي يوسف السركال، ذلك التصريح الذي صدر منه عفوياً ومباشراً مع نهاية السباق بإعلان فوز نظيره البحريني، قد يكون أفضل ما في هذا المشهد الرياضي والدرامي بالنسبة لنا في الإمارات، لقد برز السركال متماسكاً مؤمناً بالنتيجة متقبلاً لها رغم ثقلها ومرارتها عليه شخصياً. وإيجابية تصريحه الأخير، تأكيده على قناعة أن هذه الصفحة طويت، وأن هذه اللعبة انتهت ويجب ألا تؤثر في علاقاتنا كأفراد أو كدول أشقاء رداً على الحديث الذي جرى، وحملات الغمز والتشويه ونعوت الخيانة والغدر التي تراشقناها، أو رمينا بها غيرنا، هذه اللهجة التي نتقن نحن العرب -للأسف- مفرداتها في مختلف صداماتنا واختلافاتنا مهما صغرت. فأن نخسر الانتخابات هذه المرة ولو أنها تساوي وزن كرسي إقليمي في لعبة شعبية شهيرة ككرة القدم، أهون من أن نخسر شخصية رياضية كالسركال يمثل أحد نجوم مسيرة طويلة عمرها ربع قرن تقريباً حافلة بالإنجازات والعثرات في حالات، خدم اللعبة داخل بلده وخارجه. ومثل هذه النتيجة التي خرجت بها الانتخابات، والتي أحبطتنا جميعاً، كان يمكنها أن تحطّم هذه الشخصية الرياضية وتنهي مستقبله وطموحاته ونفسيته، ولكنه تماسك وأبدى تفاؤلاً وإقراراً بالحقيقة. إشكاليتنا في انتخابات اتحاد رئاسة الاتحاد الآسيوي، ليس في أن مرشحنا خسر، وسقط اسمه ليستقر بذيل القائمة، لكن لأننا تعودنا التخطيط السليم، خاصة في مثل هذه المحافل، فلا نغامر إذا لم يتوافر لدينا الحد الأدنى من القبول أو الاقتراب من الفوز، ونعرف جيداً كيف نحدد الهدف وكيف نصل إليه. ولكن هذه المرة ذهبنا إلى السباق وكأننا سنخوض لعبة فردية، واستعرضنا عضلاتنا قبل أن تبدأ اللعبة، واستهنا بالخصوم، وأصابنا الغرور مبكراً، أفرطنا في الثقة كثيراً حتى أننا فزنا قبل أن تبدأ الجولة، نسينا قواعد اللعبة، وتجاهلنا الآخرين. السركال الذي اشتد عليه النقد و"الجلد" خلال الأيام الماضية، وهذا أمر طبيعي فإن تخرج خاسراً وبهذه الصورة فلا تتوقع أن تكون ردة الفعل دون ذلك، وكما لو أن النتيجة كانت الانتصار، فإن السركال لحظتها سيكون هو النجم الأوحد والأشهر، وسيجلس على كرسي الرئاسة، وسيحكم رياضة آسيا وسيؤثر في الرياضة عالمياً وسيدخل التاريخ، فكذلك الخسارة أو الخذلان الذي تحقق سيتحمله هو شخصياً ممثلاً في فريق العمل الذي اختاره وسانده وتسبب في هذه النهايات. ولكن هذه الصدمة التي أصابت المجتمع، وردة الفعل السلبية تسبب فيها الإعلام الرياضي بالمقام الأول، هذا الإعلام الذي شهدنا له جميعاً بالنجاحات والتميز، والتوازن في حالات ونتفاخر بخبراته الطويلة في هذه الصناعة، مارس في حملة السركال تزييفاً للوعي، وأعطى العملية أو دورنا فيها أكبر من حجمها وواقعيتها، فماذا يعني أن تخصص هذه الساعات للبث الحي فضائياً وما فيها من حوارات وتحليلات، وأن تفتح كل هذه الصفحات وتكتب كل هذه المانشيتات، من تابع هذه القنوات الإعلامية على اختلافها يخرج بقناعة، أن النتيجة كانت محسومة، وسنذهب هناك للتصوير فقط وتلقي التهاني. كم أهدرنا من مال ووقت وورق، سخرنا من عقل هذا القارئ، ورسمنا له سيناريو مختلفاً، وكأننا من كان يملك مفاتيح ذلك الصندوق، ونعلم ما سيحمله من نتائج مسبقاً. وكأن لسان حال هذا الإعلام أنه محلي الانتشار والتأثير والقناعة، فهو يعزف للداخل وكأنها انتخابات محلية والمرشح شخص واحد ومطلوب من الجميع أن يشجعه ويؤيده، بينما الواقع يقول إن الملعب كان في الخارج، والجمهور المؤثر الذي لا يسكن بيننا حتماً لن يقرأ هذه اللغة أو لن تصله هذه الوسائل الإعلامية أو لن تؤثر فيه إذا وصلت إليه بهذه اللهجة الاستعلائية. وغاب عن هذا الإعلام وعن إدارة حملة السركال عموماً أن الانتخابات في النهاية هي لعبة مثل كرة القدم لها شروط وتكتيكات ومهارات وكذلك فيها مساحات للمراوغة والشد واللعب على الأطراف والتأثير والسيطرة، وضبط النفس وممارسة الحذر حتى اللحظة الأخيرة.. ولكن هل كان إعلامنا هو الآخر ضحية هذه الشعارات والأحلام التي نفخ فيها وضخّمها وحولها إلى حقيقة، أو كانت أمنيته أن يُفرح حتى لو استبق الفرح وحاول صنعه، محاولة منه إسعاد الجماهير. لكن الانتخابات جرت بما لا يشتهي وما لا يتوقع. تجربة كرسي رئاسة الاتحاد الآسيوي ينبغي أن تزيدنا قناعة بأهمية التخطيط، وأن نبني طموحاتنا على واقع، ونتحرك برؤية وثبات لنحقق تلك الآمال، لأن النجاح له طعم وبريق والخيبات والفشل لها مذاق مر وتصيبنا جميعاً!