كلّما ضاق الخناق على النظام السوري، وفقد سيطرته على المناطق لمصلحة قوات «الجيش الحر»، لجأ إلى ارتكاب المجازر الوحشية بحق المدنيين الأبرياء من سكان القرى والمناطق الريفية، وآخرها مجزرة البيضا وبانياس التي بلغ مجموع ضحاياها 150 شهيداً من النساء والأطفال. وقد رصدت لقطات الفيديو والصور مشاهِدَ مروعة لعشرات الضحايا، بينهم نساء وأطفال، تم قتلهم بوحشية. وتظهر إحدى لقطات الفيديو شبيحة النظام، وهم يحرقون جثث مَن تمت تصفيتهم، في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة. وأكدت تقارير لناشطين سوريين ولمنظمات حقوق الإنسان، أن المجازر تحمل بعداً طائفياً واضحاً؛ إذ ارتُكبت بحق المدنيين السنّة، ومنفذوها من العلويين المدعومين من قوات الفرقة الرابعة، والذين لم يتورعوا -بحسب التقارير الميدانية- عن اغتصاب النساء في الميدان العام. والملاحظ من هذه المجزرة والمجازر السابقة التي نفذتها قوات النظام، أنها ترتكب في وقت يوجه فيه «الجيش الحر» ضربات موجعة للنظام الذي يرد بارتكاب مجازر بقصد ترويع الناس وإيصال رسالة مفادها ألا حدود للبطش والقوة التي يمكن أن تُستخدم لقمع أي نشاط ثوري ضد السلطة. ومرة أخرى، فإن هذه المجازر تأخذ بعداً طائفياً مقيتاً، إذ ترتكب بحق السنّة في القرى والبلدات الصغيرة المتاخمة للقرى أو الأحياء العلوية. ويتم ارتكابها بعد تطويق القرية أو البلدة وعزلها تماماً، ثم يُطلق العنان لأفراد تجردوا من الإنسانية وأعماهم الحقد الطائفي ليرتكبوا مجازر بحق مدنيين لا ذنب لهم سوى أنهم ثاروا على طاغية أفسد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل. والمثير أن هذه المجزرة وغيرها من المجازر العديدة التي تلطخت بها يد النظام، لم تدفع المجتمع الدولي حتى الآن لمغادرة موقفه المتردد في دعم المعارضة السورية بالسلاح والعتاد، وفرض منطقة حظر جوي لمنع طائرات النظام من قصف المدن والبلدات. فالدول العربية تنتظر الضوء الأخضر الأميركي، فيما أميركا وأوروبا مشغولتان بالجدل حول الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها النظام وحول احتمال سقوطها بأيدي الثوار. إسرائيل قلقة من تطور الأوضاع في سوريا، وليس من النظام الذي تعايشت معه على مر العقود دون أن يُطلق عليها رصاصة واحدة لاسترداد الجولان المحتل. فإسرائيل تعي جيداً بأن «الممانعة» بإظهار العداوة ضدها أكذوبة أطلقها النظام وصدّقها بعض السذج. لهذا فالغارة الجوية الإسرائيلية على «مركز الأبحاث» وبعض مخازن الأسلحة السورية، إنما هدفها خلط الأوراق، وإطالة أمد الصراع بهدف الاستنزاف الكامل لسوريا، والحيلولة دون تطور الأوضاع على الأرض لمصلحة «الجيش الحر» وحصوله على أسلحة قد تقلب ميزان القوة، وتشكل تهديداً للدولة العبرية. إن التدخل الإسرائيلي السافر في خط الثورة السورية لن يخدم الثورة إطلاقاً، بل يخدم النظام بإطالة أمد الصراع على الأرض، وذلك بهدف حماية أمن إسرائيل أولًا وأخيراً. إن التدخل الإسرائيلي في سوريا يشكل إحراجاً للعرب الذين لم يتخذوا حتى الآن قراراً بدعم الثورة السورية عسكرياً، وفضّلوا موقف المتفرج على ما يُرتكب بحق المدنيين. إن الصمت العربي والتخاذل الدولي شجعا إيران و«حزب الله» على إدخال أياديهما في سوريا لإجهاض الثورة، وها هي إسرائيل بتدخلها السافر تحوّل دفة الصراع من ثورة شعب يريد نيل حريته إلى صراع إقليمي ذي تداعيات خطرة على المنطقة.