«إن استعمال الأسلحة الكيماوية أمر غير مقبول كلياً»، هكذا حذّر الرئيس الأميركي حكومة الأسد في ديسمبر الماضي، مضيفاً: «وإذا ارتكبت الخطأ المأساوي المتمثل في استعمال هذه الأسلحة، فستكون ثمة عواقب وستحاسب عن ذلك». هذا التهديد أعقب تحذيراً سابقاً لأوباما من أن «الخط الأحمر بالنسبة لنا هو أن نشرع في رؤية كمية من الأسلحة الكيماوية تُنقل أو تُستعمل». وفي الأسبوع الماضي، قدّرت وكالات الاستخبارات الأميركية أن النظام السوري قام باستعمال غاز السارين في هجماته على المعارضة. غير أن الإنذار الذي صدر عن الإدارة الأميركية بات يبدو مثل كلام لا قيمة له، ويُبرز مخاطر رسم خطوط حمراء بشكل متهور، وإصدار تهديدات لا يتم تنفيذها أبداً. وحتى الآن على الأقل، أجلت إدارة أوباما العواقب والمحاسبة معاً، واكتفت بالدفع في اتجاه مزيد من التحقيق. وفي الأثناء، لم يبد الأسد أي مؤشر على التراجع أو التنازل؛ بينما يجادل خصوم أوباما، مثل النائب مايك روجرز، بأن إيران وكوريا الشمالية ستستخلصان الدروس الخطأ إذا ما ترك أوباما الأسد يفعل ما يريد. والواقع أن الخطوط الحمراء يمكن أن تكون أدوات جذابة من أدوات السياسة الخارجية، لأنها تردع الأعداء وتثنيهم، كما في حالة سوريا، عن استعمال الأسلحة الكيماوية. وأحد أسباب تحديد خط أحمر على الملأ، مثلما قال مسؤول في الإدارة العام الماضي بخصوص سوريا، هو إحداث «تأثير رادع». ذلك أنك عبر التهديد بالتحرك قبل وقوع مشكلة ما، توقف تلك المشكلة ولا تكون مضطراً للتحرك. كما أن تحديد خط أحمر يمكنه طمأنة الحلفاء، وتهدئة المنتقدين الداخليين. وقد يكون من غير المعقول بالنسبة لزعيم أجنبي أن يتخطى خطاً أحمر أميركياً، ويجازف بتلقي رد قوي. لكن الطموح أو التصور الخاطئ أو التهديدات الداخلية قد تدفع زعيماً مثل الأسد للقيام بذلك! كما أن الخطوط الحمراء قد يتم تخطيها بطرق غير متوقعة. فعندما أصدر أوباما هذا التحذير، كان المسؤولون الأميركيون يخشون أن يمرر النظام السوري أسلحة كيماوية إلى «حزب الله» في لبنان أو يستعملها لقتل مواطنيه. لكن ذلك لم يحدث، كما أنه من غير الواضح ما إن كان مثل هذا الاستعمال وحده يستحق تغييراً في السياسة. لكن الأعداء، بالطبع، سيستغلون هذا الغموض. في الحالة السورية، يبدو أن الخط الأحمر بخصوص الأسلحة الكيماوية حُدد من دون قرار بخصوص كيف يمكن أن نرد في حال انتهاك سوري أو حتى ما إن كان ينبغي تصعيد الوضع. ومن الناحية السياسية، هذا أمر مفهوم ومعقول: الاتفاق حول ضرورة امتناع سوريا عن استعمال الأسلحة الكيماوية، وتحديد خط أحمر للدفع بالردع يعتبران أكثر سهولة من تقرير ما ينبغي القيام به عندما تتجاهل سوريا التهديد. غير أنه عندما يفشل الردع، تبدو الولايات المتحدة ضعيفة ومترددة. وعلاوة على ذلك، فإن عدم التحرك بعد إصدار الإنذار، يضر بسمعة أميركا. ومثلما جادل روجرز وآخرون، فإن عدم التحرك يزيد من احتمال تعرض الخطوط الحمراء الأميركية في أماكن أخرى للتشكيك والتساؤل، خاصة في إيران التي تواجه ضغطاً بخصوص برنامجها للأسلحة النووية وتراقب سوريا عن كثب. غير أن التحرك باسم المصداقية فقط قد يكون خطأ، حيث يدفع الولايات المتحدة إلى أن تزيد على نحو غير حكيم تدخلها في أزمة ما فقط من أجل تجنب إمكانية مواجهة أخرى. فقد مددت الولايات المتحدة تدخلها في حرب فيتنام لأنها كانت تخشى أن تضر خسارة تلك الحرب بمصداقيتها العسكرية، وتشجع الاتحاد السوفييتي وحلفاءه. كما أنه من الناحية العملية، كثيراً ما تخلق الخطوط الحمراء حوافز منحرفة، وتشجع العدو على مواصلة الاعتداء رغم تجنب هذا الأخير للخط الأحمر الذي حدد له. فالإعلان عن أن الولايات المتحدة ستتحرك فقط في حال استُعملت أسلحة كيماوية في سوريا يعني ضمنياً أننا سنتسامح مع أشكال أخرى من العنف. وبالفعل، فقد قتل نظام الأسد أكثر من 80 ألفاً شعبه، بواسطة المدفعية والرصاص، وهو يعرف أن أشكال الموت هذه لا تندرج ضمن ما تضمّنه التحذير الأميركي العلني بخصوص الأسلحة الكيماوية. ثم إنه من الصعب توقع كل رد ممكن على إعلان عام. فوزير الخارجية الأميركية دين آتشسون، مثلاً، أعلن في 1950 أن كوريا الجنوبية غير مشمولة بـ«محيط الدفاع الآسيوي» الذي كان يغطي حلفاء لأميركا مثل اليابان والفلبين. وقد نجح ذلك: حيث امتنعت موسكو وحلفاؤها عن مهاجمة هذين البلدين. لكن صياغة الخط الأحمر ساعدت على إقناع كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في كوريا الجنوبية في حال قام الشمال بغزوها، غير أن أميركا تدخلت على كل حال. وبالنظر لهذه الدروس التاريخية، فمن المغري الدعوة إلى قيام أوباما بتحديد خط أحمر فقط بعد اتخاذ قرار بالتحرك في حال تم تخطي ذلك الخط. لكن حتى هذا الأمر يطرح مشكلة؛ لأن الخط الأحمر في النهاية قد يُحدد قبل الأزمة بشهور أو حتى سنوات (كما تُظهر الحالة الصربية). وقت قليل نسبياً مر منذ أن أصدر أوباما خطاً أحمر بخصوص سوريا؛ لكن في غضون ذلك، ازدادت المعارضة انقساماً وازداد الوجود الجهادي حضوراً، ما يزيد من صعوبة التدخل. غير أن حالة الاضطراب والارتباك بخصوص الخط الأحمر الخاص بأسلحة سوريا الكيماوية ينبغي أن تدفع إدارة أوباما إلى التفكير ملياً قبل الإعلان عن خطوط حمراء من دون اعتبار لما سيحدث في حال تم تخطي تلك الخطوط. أما إذا لم تتعلم هذا الدرس، فالنتيجة المحتملة هي حرج عام، ونقص في المصداقية، ومزيد من القتلى المدنيين! دانيل بايمان أستاذ في برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»