تعتري دول المنطقة، والعديد من دول العالم منذ فترة موجة من القلق، بعد ظهور نوع جديد من فيروسات "الكورونا"، يسبب الالتهاب الرئوي، وفي بعض الأحيان الفشل الكلوي أيضاً، وهي الموجة التي تزايدت حدتها بعد إعلان وزارة الصحة السعودية يوم الخميس الماضي عن خمس وفيات جديدة، بالإضافة إلى حالتي إصابة بالفيروس، حالتهما حرجة حالياً. ولم تظهر التحقيقات الأولية التي أجرتها الجهات الصحية الحكومية في السعودية سفر أي من أفراد حالات الإصابات والوفيات، التي لا تنتمي لعائلة واحدة، حديثاً إلى خارج المملكة، أو اتصالهم بالحيوانات عن قرب. ويشكل هذا الإعلان الصادر عن الحكومة السعودية آخر التطورات في وباء محدود من فيروس "الكورونا"، كان قد بدأ في شهر سبتمبر من العام الماضي، ونتجت عنه 24 حالة إصابة مؤكدة معملياً، توفيت منها 16 حالة حتى الآن، منها حالة لمواطن إماراتي في السادسة والستين من العمر توفي في ألمانيا حيث كان يعالج من مرض السرطان "المرحلة الرابعة" وشخصت الجهات الصحية الألمانية حالته وتبين إصابته بفيروس "الكورونا". وكانت وزارة الصحة الإماراتية قد أكدت من جانبها سابقاً، أنه لم تسجل أية حالة داخل دولة الإمارات حتى الآن، على حسب ما نشر في وسائل الإعلام المحلية في 26 من شهر مارس الماضي. وحسب البيان الصحفي الذي وضعته منظمة الصحة العالمية على موقعها الإلكتروني يوم الخميس الماضي، وبناء على ما هو متوفر من معلومات حالياً، فقد حثت المنظمة جميع الدول الأعضاء على متابعة عمليات المراقبة لجميع حالات العدوى التنفسية الحادة والشديدة (Severe Acute Respiratory Infections)، أو اختصار حالات "الساري" (SARI)، والمراجعة الدقيقة لأي نمط مرَضي تنفسي غير معتاد. وتسعى منظمة الصحة العالمية حالياَ، بالتعاون مع الخبراء الدوليين، ومع الدول التي ظهرت فيها الحالات، أو حدثت فيها وفيات، لتقييم الوضع بدقة، ومراجعة التوصيات المعمول بها، على صعيد إجراءات المراقبة والمتابعة. وتهيب منظمة الصحة العالمية بجميع الدول الأعضاء، بإجراء تقييم فوري لأية حالة عدوى بفيروس "الكورونا" الجديد، وإبلاغ المنظمة دون إبطاء بهذه الحالات، وبالترافق مع أية معلومات عن احتمالات التعرض للفيروس، بالإضافة إلى توصيف التطور المرضي السريري لتلك الحالات. ولا توصي منظمة الصحة العالمية حالياً بأية إجراءات خاصة في المنافذ الحدودية، كالمطارات والموانئ، أو بفرض أية قيود على سفر الأشخاص، أو حركة التجارة ونقل البضائع. وتعمل المنظمة على مراقبة الوضع عن كثب، وإصدار التوصيات والإرشادات حسب تطور الموقف. وينتمي الفيروس الجديد، الذي أطلق عليه مبدئياً اسم (Novel coronavirus 2012)، إلى عائلة فيروسات "الكورونا"، التي تصيب في المقام الأول الجزء العلوي من الجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، في البشر والطيور على حد سواء. وحتى الآن، تمكن العلماء من التعرف على أربعة أو خمسة أصناف من هذه العائلة الفيروسية، يمكنها التسبب في العدوى للإنسان، أشهرها هو الصنف أو الجنس المسبب لمرض "السارس" (SARs-CoV)، الذي يتمتع بخاصية مرضية فريدة، تتمثل في تسببه في عدوى الجزأين العلوي والسفلي من الجهاز التنفسي معاً، بالإضافة إلى تسببه في نزلة معوية تصيب الجهاز الهضمي. ويعتقد العلماء أن عائلة فيروسات "الكورونا"، مسؤولة عن نسبة كبيرة من حالات البرد الشائع أو العادي لدى البالغين، وخصوصاً في فصل الشتاء، وبداية فصل الربيع. آخر أعضاء هذه العائلة الفيروسية، هو فيروس "الكورونا" الجديد، موضوع الإعلان الصادر عن وزارة الصحة بالسعودية، الذي قد ظهر للمرة الأولى في الشرق الأوسط، حيث تم اكتشافه في سبتمبر عام 2012 لدى شخص قطري، كان قد زار السعودية قبل ظهور المرض عليه بوقت قصير، وتم نقله إلى بريطانيا لعلاجه من عدوى تنفسية شديدة، أدت إلى حدوث فشل كلوي. أما أول حالة تم تأكيدها معملياً بعد الوفاة، فكانت لشخص سعودي، أصيب بنفس الأعراض والمضاعفات، وتوفي في شهر يونيو 2012. وعلى المستوى الجزيئي وعلى صعيد التركيب الوراثي، يتشابه الفيروس الجديد مع فيروس "السارس"، الذي كان قد أصاب أكثر من 8 آلاف شخص، وقتل 774 منهم، بين عامي 2002 و 2003، بدرجة أكبر من تشابهه مع بقية فيروسات عائلة "الكورونا" التي تسبب البرد العادي. وإن كان فيروس الكورونا الجديد، يختلف مع فيروس "السارس" في نقاط جوهرية، ربما كان أهمها تسببه في الفشل الكلوي، وعدم انتقاله بسهولة للأشخاص الذين كانوا على اتصال قريب بالمريض، مثل أفراد العائلة، أو أفراد الطاقم الطبي الذين كانوا يوفرون له الرعاية الصحية، على عكس فيروس "السارس" الذي لا يؤدي إلى الفشل الكلوي، ويمكنه الانتقال بقدر أكبر من السهولة، إلى من هم على اتصال بالمريض، ومن يقومون برعايته. ولا زال مصدر فيروس "الكورونا الجديد"، لغزاً يحاول العلماء فك أسراره، مثله في ذلك مثل فيروس "السارس"، الذي كان يعتقد أن أصله أحد أنواع القطط البرية، وإن كانت الشكوك حالياً تحوم حول أحد أنواع الخفافيش أو الوطاويط. وإلى أن يتم التعرف على مصدر الفيروس الجديد، يسعى علماء وكالة الحماية الصحية البريطانية (Health Protection Agency)، إلى تحليل وترميز الشفرة الوراثية للفيروس الجديد، كخطوة أولية على طريق البحث على علاج يمكنه التخفيف من حدة العدوى، ووقف المضاعفات التي تنتج عنها وتؤدي للوفاة، أو ربما توفير تطعيم يحقق الوقاية ضد الإصابة بالفيروس من الأساس.