يثور في الوقت الراهن سجال في الولايات المتحدة حول قرار أوباما بالتراجع عن تهديد "الخط الأحمر"، الذي كان قد حدده بنفسه، وقال إن اجتياز نظام بشار، له باستخدامه الأسلحة الكيماوية في الحرب الأهلية المندلعة حالياً سيكون "بمثابة خطأ مأساوياً سيكون هو المسؤول الوحيد عنه". ولكن الرئيس عاد ليتراجع عن هذا التحذير، ففي مؤتمر صحفي عقده هذا الأسبوع اعتبر أوباما أن أي عمل تقوم به الولايات المتحدة سيكون غير ملائم في غيبة إجماع دولي، وقال حرفياً إن الولايات المتحدة لا تريد أن "تجد نفسها في وضع لا تستطيع أن تحشد فيه المجتمع الدولي لدعم ما نقوم به". وقد بدا هذا تراجعاً مؤكداً من جانب الرئيس، وتلقى بالفعل بعض الانتقادات العنيفة بسببه. والشيء الذي يمكن أن يلفت نظر الأستاذ الأكاديمي في هذه المسألة أنها تقدم اختباراً عملياً لسجال أكاديمي ممتع يمكن تلخيصه في السؤال: أي من النظامين، الديمقراطي، أو السلطوي، أكثر مصداقية عندما يتعلق الأمر بإصدار تهديد؟ وقد رأى أستاذ العلوم السياسية "جيمس فيرون" في ورقة مهمة كتبها عام 1994 أن احتمال محافظة الأنظمة الديمقراطية على التعهدات التي تقطعها على نفسها، يفوق احتمال قيام الأنظمة السلطوية بذلك، وهو ما يرجع لخوف الأنظمة الديمقراطية من الأكلاف السياسية التي يمكن أن تتكبدها بسبب -"ردة الفعل السلبية للجمهور"؛ في حين أن الأنظمة السلطوية يكون لديها عادة قدر أكبر من السيطرة على الجماهير، وبالتالي تكون أقل احتياجاً لإرضائها وأقل اكتراثاً بالتكلفة السياسية التي قد تنتج عن ردة فعلها السلبية. أوباما سياسي ذكي، وبالتالي من الممكن جداً أنه قد حسب منذ البداية أنه وحزبه سيعانيان تكلفة سياسية داخلية محدودة، إذا قرر لاحقاً التراجع عن تهديده المبطن بالتدخل ضد الأسد في حالة استخدامه للأسلحة الكيماوية، وهو ما يعني ضمناً أنه كان يدرك بحدسه أن نظرية "أكلاف الجمهور" ليست صحيحة. هذا تفسير، والتفسير الثاني أن تسريبات الإدارة المحمومة على مدى الأيام القليلة الماضية بأن الرئيس"يميل نحو" إرسال أسلحة للمعارضة السورية، قد يكون بمثابة اعتراف بأن حساباته منذ البداية كانت خاطئة، وكل ما هنالك أن الجمهور الأميركي، وحسب نظرية "فيرون"، التي تضمنتها الورقة المشار إليها لا يريد أن يرى زعماءه وقد رمشوا أولاً. إذا كان ذلك صحيحاً، فإن تسليح معارضة مسلحة جيداً بالفعل، لن يترتب عليه نتيجة ذات شأن بالنسبة للأسد. ربما لا يؤدي تراجع أوباما عن تهديده لبشار في حالة تجاوزه لـ"الخط الأحمر" إلى إلحاق الأذى به سياسياً، ولكن المؤكد أنه سيلحق بمصداقية أميركا ضرراً فادحاً. فسمعة الأمة التي تكتسبها من خلال المحافظة على تعهداتها، لا تقدر بثمن؛ أما فقدان تلك السمعة، فقد كان ينظر إليه تقليدياً على أنه خسارة فادحة تحرص أي أمة راشدة عن النأي بنفسها عنها، لأنها إذا ما فقدتها مرة سيصعب عليها استعادتها ثانية. ------- ستيفن إل. كارتر أستاذ القانون بجامعة «يل» ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"