يدور حوار واسع هذه الأيام في العواصم الغربية حول استخدام قوات بشار الأسد لأسلحة كيمياوية في حربه ضد شعبه. ويقول سلمان شيخ قي مقالة لهم على موقع "فورين بوليسي"، إن الأسد قد بدأ في استخدام السلاح الكيمياوي ضد المعارضة السورية، وإنه بشكل تدريجي وقليل بدءاً من ديسمبر الماضي، وإن استخدام مثل هذه الأسلحة يتم في مناطق صغيرة لا يتعدى حجمها نصف كيلومتر إلى كيلومتر واحد، وتقذف بواسطة طائرات الهليكوبتر في الغالب. وقد تم استخدام هذه الأسلحة في كل من حمص وحلب وضواحي دمشق، حيث ضربت ضاحية في حمص في 23 ديسمبر الماضي بخليط من غاز السارين السام. كما استخدمت الأسلحة الكيمياوية في كل من العتيبة وداريا، وفي ضاحية خان العسل بحلب. وتقول الإدارة الأميركية، وبعض العواصم الغربية إن استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام يمثل خطاً أحمر. غير أن هذه الدول بما فيها الولايات المتحدة، ليست في عجلة من أمرها. فهي تعيش ضائقة اقتصادية، وصرفت أكثر من تريليون دولار في حرب العراق، وربما نصف ذلك في حرب أفغانستان. وهي لذلك تعيش في حالة من الإنهاك الاقتصادي والسياسي من ذلك النوع الذي يخلف حالات الحرب الدولية، مثلما كان عليه الوضع في أعقاب حرب فيتنام. ويقترح سلمان شيخ أن تقوم الولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالضغط على نظام بشار من أجل السماح للمفتشين الدوليين الموجودين في قبرص بالسفر إلى دمشق، والمدن السورية، لأخذ عينات من أرض المعركة لإثبات حقيقة استخدام النظام السوري وقواته العسكرية لمثل هذه الأسلحة. غير أن حكومة الأسد تمنع دخول مثل هذا الفريق إلا إذا كان مؤلفاً من محققين روس، دون تدخل أي مراقبين من دول أخرى. وهي بهذا تعيق أي تحقيق جدي في مثل هذه الجرائم. والحقيقة أن الأسد يدير حربه ضد شعبه وعينه على القوى الغربية، والتجميد الفعال لمجلس الأمن عبر "الفيتو" الروسي والصيني فيه. ويفخر النظام، بل تفخر أجهزته وتضع على "التويتر" أنها قتلت 400 شخص في قرى القصير على الحدود مع لبنان، بالتعاون مع مقاتلي "حزب الله" الناشطين في تلك المناطق، ومن مجموع 50 ألف مقاتل من "حزب الله"، فإن عدد المقاتلين من الحزب الذين أرسلوا إلى سوريا بلغ 20 ألفاً، أي 40% من مجموع المقاتلين. وقد قتل من الشعب السوري حتى الآن نحو 80 ألفاً، كما أن هناك 45 ألفاً من المفقودين، وهناك ما بين 8 و10 ملايين شخص أصبحوا لاجئين داخل بلادهم وخارجها. وبمعنى آخر، فإن نصف الشعب السوري قد تحول إلى لاجئين في بلاده، وفي بلدان الجوار الجغرافي. ولا تتورع الحكومة السورية عن استخدام السلاح الكيمياوي الذي نتجت منه عشرات الأطنان في خمسة مواقع عسكرية موزعة في الصغيرة وحماة وحمص واللاذقية. وهي تنتج غاز السارين والطابون، وغاز "في أكس"، وغاز الخردل في هذه المصانع. والإشكالية ليست في تصنيع الغازات والأسلحة الكيمياوية، بل في استخدامها ضد الشعب السوري الأعزل، والقوات المقاومة لبطش نظام بشار. وبالإضافة إلى قواته المسلحة فهو يستخدم أيضاً قوات "الشبيحة" التي يتراوح حجم مقاتليها في حدود مليوني مقاتل. والتي بدأ بتزايد حجم الهاربين من الخدمة فيها في الآونة الأخيرة. غير أن ما يثير اهتمام المراقبين للشأن السوري هو هذا التقاعس المريع للمجتمع الدولي في إيقاف جرائم الأسد ضد شعبه. فمثل هذه الجرائم التي يقترفها يومياً تمثل خرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني. وقد تقاعس المجتمع الدولي في الماضي في جرائم ضد الإنسانية في كمبوديا ورواندا والبوسنة وأغمض عينيه عن جرائم فاضحة في وضح النهار. إن المجتمع الدولي يعيش في حالة من البحث عن حجج واهية تؤجل اتخاذ القرارات الحاسمة. وبعض المعلقين الأميركيين يذهب إلى حد القول إن الأسلحة الكيمياوية قد تسقط في أيدي قوات معادية للمصالح الغربية. كما أن التنظيمات المتطرفة مثل "القاعدة" قد تهمين على بعض المناطق في سوريا. ومثل هذه الطروحات التي تخدم بشار وبطش نظامه، تعجل تحقيق مثل هذه النبوءات بدلاً من البحث الجاد حول بدائل تحقيق نتائج مغايرة أخرى. وهناك من يضع "فيتو" أمام تسليح فعال للمعارضة والحقيقة أن بعض المحللين الآخرين يبحثون جدياً في فرض منطقة حماية جوية للاجئين السوريين، وإيجاد منافذ برية آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية لمحتاجيها. وإذا ما استمر المجتمع الدولي في تلكئه الحالي، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي غض الطرف عن الجرائم المتزايدة للنظام بحق شعبه بشتى شرائحه العرقية والاجتماعية. وإذا ما أردنا المحافظة على كيان الدولة السورية، فأقرب الطرق هو الإجهاز على نظام بشار الدموي بأسرع وقت ممكن.