هل فعلاً الإعلام العربي متورّط في التحريض على العنف، وفي بث روح الفرقة بين أبناء الشعب الواحد بطوائفه ومذاهبه المتعددة؟! إلى أي مدى أسهم الإعلام العربي في تأليب قلوب الناس على سياسيه ومسؤوليه؟! هل وضع الكل في سلة واحدة مقبول، أم أنّ فيه تجنياً وافتراء على الفضائيات القليلة المشهود لها بالحياديّة؟! هل انقسام الشارع العربي حول النظام الحاكم، أدّى تلقائيّاً إلى انقسام في توجهات الإعلاميين؟! هل الإعلام العربي نضج بما فيه الكفاية ليُصبح محايداً في نقل الصورة دون تحيّز لطرف معيّن، وقام بدوره في توعية الرأي العام؟! كانت هيئة الإعلام في العراق قد قامت بتعليق رخص البث لعشر قنوات فضائيّة عراقيّة وعربية، بتهمة التحريض على العنف الطائفي، وهو ما اعتبرته حكومة المالكي خرقاً للسلوك المهني، خاصة مع ارتفاع موجة الاحتجاجات من قبل المواطنين السُنّة بأن هناك تمييزاً طائفيّاً يُمارس ضدهم! ومن جانب آخر، كانت قد قامت بعض الجماعات الإسلامية بمصر منذ أسابيع مضت، بمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، بحجة أن الفضائيات الخاصة التي تبثُّ من هناك قد خرجت عن حياديتها في برامجها الحواريّة، ما أدّى إلى إثارة الشغب بالشارع المصري من وجهة نظرها! الغريب في الأمر أن الحكومة وقتها تجاهلت هذا الحصار بحجة احترامها لحرية التعبير والحق في التظاهر، في الوقت الذي لم تلتفت للقنوات المحسوبة على التيار الديني التي يزعق دعاتها ليلاً نهاراً بفتاوى غريبة تحفّز على استخدام العنف ضد المتظاهرين، إضافة إلى برامجها التي تشنُّ طول الوقت هجمات على المعارضين السياسيين المناوئين لنظام "الإخوان"، والتي تُشكك في انتماء الأقباط، وتُحرك الضغائن على طوائف أخرى كالشيعة وغيرها، ما جعل الكثير من المثقفين يُعبرون عن نظرتهم التشاؤميّة للمستقبل، وأن ما يجري يُهدد النسيج الاجتماعي للوطن، وإعلان البعض الآخر تخوّفه من بوادر حرب أهلية؟! هل ما يجري في الفضائيات العربية ظاهرة جديدة بعد ثورات الربيع العربي، أم أن إعلامنا ما زال في طور المهد نتيجة لعوامل كثيرة؟! هل موروثنا الديني والاجتماعي ما زال هو المسيطر على أذهاننا، وبالتالي جعل من الصعب على مقدمي البرامج التمسّك بالحياديّة في عرض الوقائع، والإيمان المطلق بالحوار البنّاء، وتقبّل الرأي الآخر بعقلانيّة؟! هل ما يجري على الساحة الإعلامية من شد وجذب يؤكد أن مجتمعاتنا لا تُجيد إمساك العصا من الوسط؟! هل ما يتردد في الشارع بأن مجتمعاتنا صارت مثل القطعان تمشي خلف دعاتها كونهم الأولى بالتصديق، وبالتالي أضحوا الورقة الرابحة التي تُجيد الحكومات استخدامها لكسب تعاطف الشارع؟! بلا شك أن الأنظمة العربية في بلاد الثورات والتي أدّت إلى وصول "الإخوان" لسدّة الحكم، استغلّت ورقة الدين في تمرير مصالحها السياسيّة وفي تثبيت قرارات رؤسائها، وأسهمت الفضائيات التابعة لها في استقطاب الدعاة الموالين لها لإقناع الناس بأهدافهم السامية! كيف يُمكن للإعلام العربي أن ينفي عن نفسه هذه التهمة، في أنه يستخدم سوطه لجلد معارضيه وتشويه صورتهم؟! كيف يستطيع الإعلام العربي أن يُثبت أنه نزيه النية، صافي السريرة، هدفه الرئيسي إظهار الحق، وكشف الباطل من أجل بناء مجتمعات سويّة؟! أعتقد بأن الإعلام العربي بلا شك في موقف لا يُحسد عليه اليوم! والعالم المتحضّر غدا ينظر إلى إعلامنا باستخفاف، بعد أن ضاع الإعلام الناصع الرؤيا في خضم الغث الكثير! الإعلام العربي للأسف أصبح يقف على المحك، لأن ما يجري على الساحة العربية يستلزم ضبط النفس، والنظر بعين ثاقبة للكثير من الأمور. فهل من بصيص نور يلوح في الأفق؟!