خطاب حسن نصر الله لا يقبل الخلط واللبس في موقفة الداعم للنظام السوري، وهذا موقف نتوقعه من الحزب لكونه يتماشى مع سياسته وأهدافه، ولكن ما لا نقبله هو الخلط الكبير الذي يعبر عن تناقضات عميقة تسمم الوعي العام في رؤيتنا لقضايا مشروعة نتفق عليها جميعاً. و"حزب الله" مؤيد لإيران والنظام السوري، وهو حزب يعبر عن خطاب مذهبي، ويسعى لتحقيق أهداف محددة يتفق عليها حلفاء الحزب. والحزب يقاتل ضد الثوار في سوريا وهو يزعم أن النظام السوري إحدى ركائز المقاومة والممانعة العربية، وفي الوقت نفسه يقول نصر الله إن وجود مقاتليه يهدف لحماية المقامات المقدسة، وكأن القصد أن الثوار هدفهم تدمير المقامات وليس تحقيق ركائز إنسانية تتيح للإنسان حقوقه الأولية وتضمن له إنسانيته. والنتيجة هي أن الحزب الذي كان يقدم نفسه على أنه يقاتل المستبد ها هو نفسه يقف مع نظام شمولي، كما أنه يعي أنه يتحالف مع حزب علماني وليس حزباً دينياً، وإذن فالتحالفات مشروعة بين الديني والعلماني ضمن سياق منطق الحزب. أما مقولة مقاومة النظام السوري، ووقوفه ضد الإمبريالية، فهي مقولة لم تعد مجدية، فالأحزاب العربية كلها كانت ترفع شعار المقاومة ودعم الحق الفلسطيني، وفي ظل هذا الشعار اضطهد الحق ومقومات العدالة الاجتماعية، وتعطلت مشاريع التطور الاقتصادي، بل ازدادت دول المنطقة تراجعاً ونكوصاً، فالشعارات كانت تخدم سلطة الحزب وليس الدولة والمجتمع. وسوريا لم تكن لديها ممانعة ضد إسرائيل، ولم تفتح أراضيها وحدودها لمقاتلي حزب الله أو المقاومة الفلسطينية، فالوقوف مع سوريا النظام لا يقع ضمن المصالح الوطنية، كما يدعي "حزب الله" بقدر ما هو فرض مصالح إيرانية خاصة لتحقيق مشروع أكبر مما هو مطروح من ذرائع وتبريرات للعامة. وحقائق الواقع تؤكد أن التلاقي بين الأحزاب الدينية يتم على أرضية المصالح الحزبية الخاصة، وليس مصالح تقع ضمن خدمة الإسلام، كما تقول هذه الأحزاب، فالدين هنا مجير لمصالح مقننة وخاصة تخدم أصحابها بهدف السيطرة والوصول إلى السلطة. وفي هذا السياق لا يصبح لديها ما هو مقدس، بقدر ما المصالح الحزبية هي المحرك لورقة المقاومة، وخصوصاً أن كل التيارات الفلسطينية تريد الصلح وحتى "حماس"، ولكن الصلح الذي يحقق مصلحة الحزب والتنظيم ويبقيه في قمة السلطة. وحتى حركة "الإخوان المسلمين" ليست لديها مشكلة مع إسرائيل، وقد سعت منذ استيلائها على السلطة إلى طمأنة أميركا والغرب وحتى إسرائيل، ومن ثم فإن ورقة المقاومة ساقطة بطبيعتها، وليس استمرار اللعب بها واستثمارها سياسياً سوى امتداد لما قامت به أحزاب ما بعد التحرر في البلاد العربية. ويتجه البعض لتسمية "حزب الله" بالإرهابي، اعتقاداً بأن ذلك يضعف موقف الحزب إلا أنه قد يشكل أيضاً مجازفة مفهومية نتيجة للغط الكبير حول اصطلاح "الإرهابي" نفسه، وهذا ما يجعلنا ننبه لضرورة اتباع سياسات غير تقليدية في إدارة الصراع الذي تشهده المنطقة العربية. ونحن نعرف أن الأحزاب الدينية، سواء السنية أو الشيعية لا تمثل طموحات العامة، فهي تستخدم شعارات مضللة، فتصبح المواجهة الأفضل معها بدعم التنظيمات المدنية ضمن سياسة توعوية طويلة الأمد، وخصوصاً أن الأحزاب الدينية ثبت فشلها في نماذجها للحكم، فهي أحزاب تكرس الاستبداد والشمولية، ولا تريد الديمقراطية الحقيقية بقدر ما هي تستخدم مظلتها لتحقيق مكاسب حزبية فقط ظناً منها أنها تملك المقدس، ولها الحق المطلق في تسويق بضاعتها من دون منازع.