في عدد «الاتحاد» الصادر بتاريخ 18 أبريل 1985 يجد الباحث مقالاً كتبته بعنوان «وثائق الجنيزاه العربية بين النهب الصهيوني وصمود المؤسسات القومية». لقد تقادم الموضوع ودخل ضمن الموضوعات التاريخية التي يحتاج فيها الباحثون إلى مراجع موثقة، ولهذا أسترجعه بعد أن اكتشفت أن بعض الباحثين الجدد يحتاجون للمعرفة الدقيقة، والتعرف إلى المراجع حتى يأتي تأريخهم للمعركة دقيقاً. لقد كنت الباحث الرئيسي في المشروع الجامعي الذي أقرته كلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1981 بعد معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكان هدف المشروع حماية المخطوطات الأثرية التي كتبت وخُزنت في المعبد اليهودي ابن عزرا في الفسطاط وفي أحواش مقابر البساتين اليهودية على مدى عشرة قرون منذ ما قبل العصر الأيوبي، وذلك بعد أن اتضح وجود محاولات نهب وتهريب لهذه المخطوطات من جانب بعض الجهات الإسرائيلية ضمن موجة النهب الثانية للجنيزاه. لقد وقعت الموجة الأولى عام 1896 بواسطة المستشرق البريطاني شختر الذي نقل محتويات غرفة تخزين الأوراق في معبد ابن عزرا، وبعض محتويات غرف الخزن بالمقابر إلى جامعة كامبريدج البريطانية. ومنذ ذلك الوقت نشأت في العالم مراكز أبحاث تاريخية تبحث في تاريخ المنطقة العربية والإسلامية وحوض البحر المتوسط اعتماداً على هذه الأوراق. إن أهميتها ترجع إلى كونها أوراقاً شخصية كتبها يهود العالم العربي، واحتوت على مضامين دينية للحاخامات، وأعمال أدبية للأدباء وحسابات وسجلات اقتصادية للتجارة، وعقود بيع وشراء، وأوراق زواج وانطباعات اجتماعية، وبالتالي فهي تمثل سجلاً تاريخياً مهماً. لقد كان أصحاب هذه الأوراق مواطنين يهود مصريين وعرب، وقد تم تخزين أوراقهم في الأرض المصرية، وبالتالي ينطبق عليها ما ينطبق على الآثار الفرعونية واليونانية والمسيحية والإسلامية من كونها ملكاً للشعب المصري. ومن هنا جاء مشروع البحث لمنع الموجة الثانية من النهب والتهريب. لكن الأمر قوبل بمحاولات للشراء والإغراء بالمال، عندما قدم المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة مشروعاً لهيئة الآثار المصرية مطابقاً لمشروع جامعي باسم الدكتور مارك كوهين، وجاء في متن المشروع استعداد كوهين لضم العلماء المصريين المهتمين بدراسات الجنيزاه إلى فريقه. أرجو ملاحظة أن مشروع كوهين قدم إلى هيئة الآثار المصرية بتاريخ 3-5-1983، وهو تاريخ لاحق على مشروعنا بثلاث سنوات، كما أنه لاحق على زيارتي لرئيس هيئة الآثار المصرية والحصول على موافقته للمشاركة في بحث جامعة عين شمس بشهرين، حيث تمت زيارتي في 26-3-1983. إذن جاءت محاولة الشراء والاحتواء لمشروعنا بعد أن تأكد مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي أن مشروعنا دخل حيز التنفيذ. لم يكتف المدير بهذا، بل أوعز قبل ذلك إلى رئيس الطائفة اليهودية يوسف دانا بمخاطبة هيئة الآثار، وطلب تأجيل تنفيذ بحث جامعة عين شمس لأسباب دينية ولحين الحصول على فتوى من الحاخام الأكبر في إسرائيل موردخاي الياهو. وبالطبع فقد رفضت محاولة الإغراء وصممت على الحفاظ على المشروع المصري، لكننا كنا مضطرين للتأجيل حتى لا نخالف التقاليد الدينية كما رأت هيئة الآثار، وكانت وجهة نظري أن الطائفة اليهودية لم تكن لتعترض لو كان المشروع إسرائيلياً أو أجنبياً، وأن من حقنا حماية آثارنا بتنفيذ المشروع. كانت تلك الجولة الأولى من المعركة، أما الجولات التالية فلها حيز آخر.