هناك إجماع بين كثير من المحللين والمهتمين بالوضع السياسي في المنطقة العربية على أن هذه المنطقة باتت على «فوهة بركان» بسبب الصراعات «الطائفية» فيها، خاصة بعد أن اشتد الصراع المذهبي (الشيعي السني)، وأخذت المحركات الخارجية والإقليمية تغذيه وتعمل على تنشيطه كأداة من أدواتها في الداخل، لأهداف ومصالح سياسية، أخطرها تمهيد الأرض العربية لمرحلة التفتيت الذي يراد لها، وهو ما نلاحظه في بعض الخرائط والاستراتيجيات التي وُضعت خلال العقود الأربعة الماضية. وهذه بعض الأمثلة: 1- في مايو 1992 عقد مركز «بارإيلاف للأبحاث الاستراتيجية» الإسرائيلي، ندوة بعنوان «الموقف الإسرائيلي من الجماعات الإثنية والطائفية في العالم العربي»، انتهت بتوصيات تتلخص كلها تقريباً في تأييد إسرائيل للنزاعات الإثنية والطائفية، والحركات الانفصالية في الدول العربية، والعمل على شق المجتمعات العربية، والتعاون مع دول الجوار العربي، خاصة تركيا وإيران وأثيوبيا. وقد بلور المشاركون في هذه الندوة مخططاً لـ«تفجير الطائفية» في المنطقة، وإشاعة الصراعات داخل كل دولة عربية، وفيما بين الدول العربية، سعياً لإشعال الحروب الأهلية في كل العالم العربي بحيث يسهل تفكيكه والسيطرة على قراراته. 2- مخطط «أديد بينون»، وهو أحد منظري الحركة الصهيونية، وقد وضع تصوراً معروفاً يهدف إلى تفتيت الوطن العربي، إثنياً وطائفياً، إلى «كانتونات» صغيرة متناحرة، من أجل تمكين إسرائيل من أن تصبح القوة المهيمنة إقليمياً أو «شرطي المنطقة». 3- ما جاء في كتاب تيد روبرت جار، «أقليات في خطر»، والذي يعتبر من أهم الدراسات السياسية والاستراتيجية التي تناولت وضع الأقليات في العالم الإسلامي، وتعاملت معها بشكل وظيفي ومغرض، وذلك باعتبارها أداة لتمهيد الأرض أمام التدخل الخارجي. 4- ما نشرته مجلة «روز اليوسف» الصادرة في 2013/4/13 تحت عنوان «خريطة جون كيري الجديدة لتقسيم مصر»، حيث أشارت إلى وجود مخطط جديد طرحه جيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي على أوباما، ويتم بمقتضاه خلق دولة فلسطينية على أرض مصرية، وضم الـ13 في المئة المتبقية من مساحة الضفة الغربية إلى إسرائيل. 5- ما ذكرته فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية السابقة، في جلسة التحقيقات حول قضية التمويل الأجنبي والمتهم فيها 41 أجنبياً ومصرياً بإثارة الفوضى والاضطرابات في مصر، بعد ثورة 25 يناير، وقد نشرت نصها مجلة «الأهرام العربي» (2013/4/20) حول الدور الذي لعبته المنظمات الأميركية التي كان لها فروع في مصر وبعض الدول العربية، خاصة «المعهد الجمهوري» و«المعهد الديمقراطي» و«بيت الحرية»... وهي هيئات يتهمها الكثيرون بتبني أجندات سياسية لتأجيج الصراعات الطائفية في المنطقة العربية عن طريق الإعلام وتمويل الجماعات المشبوهة. 6- وأخيراً ما توصل إليه المشاركون في الحلقة النقاشية التي نظمها «مركز دراسات الوحدة العربية» بتاريخ 2012/12/13 حول «الطائفية والمذهبية وآثارهما السياسية»، والذي كانت خلاصته أن استفحال الطائفية في المنطقة لا يتوقف خطره على السلم الاجتماعي، بل يشمل عرقلة الاندماج، ويهدد آفاق التنمية وتحقيق الكرامة. لذلك يتعين فهم الحراك الطائفي الحالي، والذي بلغ حداً جعل «موفق الربيعي»، مستشار الأمن الوطني العراقي السابق، يقول لصحيفة «الاندبندنت» البريطانية، «إن القادة السياسيين في بغداد يتحدثون عن تقسيم العراق». والخطورة هنا أن مثل ذلك الأمر سوف يؤدي إلى تفكيك مفاصل العديد من الدول، تجاوباً مع أهداف ومصالح القوى العالمية والإقليمية التي أخذت منذ مدة في توظيف الحركات الطائفية لخدمتها، ضمن اللعبة السياسية الجارية في الوطن العربي.