ناقشت اللجنة العربية لحقوق الإنسان «لجنة الميثاق» في القاهرة قبل مدة المقترحات التي قدمتها الدول العربية لتطوير أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي. معلوم أن 12 دولة عربية -من أصل 22 - وقعت على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الرحيم العوضي مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأن اللجنة ستناقش التقرير الخاص بدولة قطر في شهر يونيو المقبل، وستتم دراسة التقرير من الناحية الفنية أولاً. كما ثمّن العوضي المقترح البحريني بإنشاء محكمة حقوق الإنسان العربية معتبراً أن تلك الخطوة تمثل إضافة لدعم حقوق الإنسان العربي؛ خصوصاً أنها قد أُقرت في القمة العربية الأخيرة التي عقدت بالدوحة. وقضية حقوق الإنسان ما زالت قضية ملتبسة في الوطن العربي! ومن خلال بعض الأقلام والتغريدات في "تويتر" وغيره، نجد البعض يربط ربطاً غير موفق بين دعوات تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وبين التوجهات الغربية لشكل الحياة العامة! وهذا الربط -الذي يصل إلى درجة التشنج في رفض فكرة حقوق الإنسان ووسمها بـ"الكفر" لدى البعض- يخلق الالتباس الذي عنيناه. ونحن لا نجد غضاضة في اعتبار المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان مماثلة للمبادئ الإسلامية التي تنص على المساواة والعدالة الاجتماعية والشورى والتراحم والتسامح والأمانة وقبول الآخر. فالمادة الأولى من الميثاق الدولي تنص على الحرية والكرامة والمساواة، والثانية تكفل كافة أنواع الحريات وعدم التمييز بين البشر، والثالثة تصون الحرية وسلامة الأفراد، والرابعة ضد الاستعباد والاسترقاق، والخامسة لا تجيز تعذيب أي إنسان، أو معاملته معاملة وحشية أو حاطة بالكرامة. والمادة السابعة تنص على السواسية للجميع أمام القانون وحماية الفرد ضد أي تمييز. وهكذا تمضي مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حتى المادة (30)، وهي تدعم الحقوق ولا تخرج على أي نص قرآني، أو نص من السنة الطاهرة. وإذا ما أتينا إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر في ديسمبر عام 1966، نجد تفسيرات واضحة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وحرية استقلالها والحفاظ على ثرواتها الطبيعية، وحقوق السلم الدولي، والحقوق المتساوية لجميع الناس، والأجور العادلة للعمال وأوقات راحتهم، وتشكيل النقابات والاتحادات الوطنية، وحماية الأسرة، وحماية الأمهات خلال فترة الولادة وما بعدها مع منحهن إجازة مدفوعة، وحماية الأطفال دون تمييز لأسباب أبوية وغيرها، وحمايتهم من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي، وصون الدولة لمستوى معيشي مناسب للفرد وعائلته، وحرية كل فرد في الثقافة، على أن توجه الثقافة نحو التنمية الشاملة للشخصية الإنسانية والإحساس بكرامتها، وأن تزيد من قوة الاحترام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية. كما يحفل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر في ديسمبر عام 1966 بالعديد من المواد التي تدعم حقوق الشعوب، والدفاع عن الأمن الداخلي، وعدم إخضاع الفرد للتعذيب أو للمعاملة القاسية والمهينة أو التجارب العلمية، وعدم القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، أو حرمانه من حريته على أساس من القانون أو طبقاً للإجراءات المقررة فيه، مع ضرورة معاملة المعتقلين معاملة إنسانية مع احترام كرامتهم الإنسانية، وحق الفرد في الانتقال والسفر وعدم حرمانه من الدخول إلى بلاده، أو إبعاد الأجنبي المقيم بصورة قانونية من الدول، وسواسية الأفراد أمام القضاء، وعدم التدخل بشكل تعسفي في خصوصيات أحد أو عائلته، أو مراسلاته، أو التعرض بشكل غير قانوني لشرفه وسمعته. وتمضي المواد حتى المادة (52) من العهد الدولي شارحة أسلوب الحياة التي ينبغي أن تعيشها الشعوب في ظل الكرامة الإنسانية مبينة حقوق المواطنين والتزامات الدول. والواقع في الوطن العربي يتناقض مع هذه المواثيق الدولية السامية، والتي وقعت عليها الدول العربية، وبعضها "تحفظ" على بعض المواد التي لوحظ أنها تتعارض مع الدين الإسلامي، فيما يتعلق بحقوق المرأة بشكل خاص. ولكن المشكلة أكبر من ذلك. فالأوضاع في العالم العربي تخالف تلك المبادئ، وقد تم التحقق من الحالات التالية: تفاوت مساحات الحرية والعدالة والشفافية. والتعرض لسلامة وشرف وحرية الفرد دون صفة قانونية. وتدخل بعض النافذين في القضاء. وإدانة وحبس الفرد دون محاكمة، وحبسه احتياطياً لفترات طويلة. والتدخل التعسفي في حياة الإنسان الخاصة ومراسلاته. والتدخل في حالات سفر الفرد أو عودته إلى وطنه. والتدخل في أسلوب تكوين الاتحادات والجمعيات. والتدخل في أسلوب عمل الموظف وحرمانه من عمله دون صفة قانونية. وإقصاء الفرد عن المشاركة في الحياة العامة في مجتمعه. وتذبذب تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، ونشوء حرب "الفزعات". وسجل أيضاً استرقاق الأطفال وتكليفهم بأعمال السخرة أو الحروب. وتوجيه الثقافة نحو مسارات بعيدة عما ورد في النص الخاص بالمادة رقم (13) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكذلك سُجل غياب الشفافية الخاصة بالثروات الطبيعية ومداخيلها. وحرمان الأقليات من حقوقها الأساسية -في بعض مناطق الوطن العربي- ما يسهم في شطر المجتمع، ونشوء طبقية تتعارض مع نصوص الدساتير. ووجود تشريعات عفى عليها الزمن تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان! وقد طالبت العديد من اللجان الوطنية لحقوق الإنسان -في بعض مناطق الوطن العربي- بضرورة إلغاء تلك التشريعات لأنها تجترئ على كرامة الفرد وتتدخل بشكل تعسفي في حياته. كما أنها "تحرج" تلك اللجان عند مناقشة التقرير الشامل لدى المفوضية العامة لحقوق الإنسان في جنيف. وبعد، لقد طالبنا بعد أن اجتمعت اللجنة العربية المكلفة بتطوير الجامعة العربية وإعادة هيكلتها قبل فترة في اجتماع في مسقط، بضرورة إنشاء إدارة خاصة لحقوق الإنسان في الجامعة العربية، تضم كفاءات حقوقية عربية، وليس موظفين من وزارات الخارجية، كي تمارس الإدارة دورها بحرية ومهنية، ودونما ضغوط من الأمين العام أو من الدول الأعضاء. كما تتعاون تلك الإدارة مع الجهات الحقوقية المستقلة في العالم العربي وغيره، وتعالج الخلل الحاصل في المجتمع العربي فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان. ونأمل أن يتحقق ذلك.