دعوة لتشديد الضغط على بيونج يانج... ورفض أميركي لـ«نووية» اليابان تصميم روسيا على إلحاق الأذى بنفسها، والرفض الأميركي لدخول اليابان للنادي النووي، والسياسات الفعالة لمواجهة محاولات بيونج يانج لفرض نفسها كقوة نووية، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الدولية. مثال غير مسبوق «دمار روسيا الذاتي المذهل» هكذا عنون "أليكسي باير" مقاله المنشور في "موسكو تايمز" الأحد الماضي الذي يرى فيه أنه ما من قوة عظمى ألحقت أضراراً بنفسها مثلما فعلت روسيا. وللتدليل على صحة وجهة نظره هذه يعود بنا الكاتب إلى صراعات القوى الدولية على النفوذ والهيمنة على الساحة العالمية منذ بواكير القرن الماضي، فيقول إنه كانت هناك ثلاث قوى تتصارع على الهيمنة الاقتصادية في العالم الأنجلو- ساكسوني هي الولايات المتحدة التي كانت قد تسلمت زمام القيادة من بريطانيا، بعد هيمنة الأخيرة لقرون قبل ذلك. وألمانيا وهي وإن كانت عملاقاً اقتصادياً، إلا أنها كانت أكبر مما ينبغي بالنسبة لأوروبا، وأصغر مما ينبغي بالنسبة للعالم، واضطر العالم لخوض حربين عالميين لاحتوائها، وبعد الحرب الثانية انتهى بها المطاف إلى أن تصبح جزءاً من "الغرب" الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. أما القوة الثالثة التي كانت تصارع على النفوذ، فهي روسيا وقد كانت تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي، وعدداً هائلاً ومتنوعاً من السكان، وثروة ضخمة من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى إمكانيات نمو هائلة، ولكنها اتبعت بعد الحرب العالمية الأولى العقيدة الشيوعية المغلقة، التي أدت إلى انكفائها على نفسها، والانعزال عن حقل المنافسة العالمية. وعلى رغم أنها نجحت عبر سبعة عقود في تحقيق قدر محدود من النجاح الاقتصادي وراء الستار الحديدي، إلا أنه بمجرد انهيار ذلك الستار، تبين أن سلعتين فقط من السلع التي تنتجها هما فقط القادرتان على خوض غمار المنافسة العالمية وتتمثلان في: الأسلحة والنفط. وعلى رغم أن روسيا تبيع أسلحة بقيمة 10 مليارات دولار سنوياً، وتعتبر ثاني أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة -بفارق كبير- إلا أن دخلها من صناعة الأسلحة لا يقارن بدخلها الهائل من النفط الذي تنتج منه ما يقرب من 10 ملايين برميل يومياً، ما يجعل منها أكبر دولة منتجة للنفط في العالم. وترى الصحيفة أن أسعار النفط العالمية كان يمكن أن تكون أعلى من الأسعار الحالية، لولا الإنتاج الروسي الهائل من النفط الذي أنفقت مليارات الدولارات على الوصول به لهذه الكمية، وكان يمكن أن يؤدي خفضها -للمحافظة على ارتفاع سعر النفط- للتأثير سلباً على على النمو الاقتصادي للصين، وغيرها من الاقتصادات الصاعدة الشرهة لتلك المادة. كما كان يمكن لترشيد إنتاج هذا النفط أن يقوض رفاهية العالم الغربي. ولكن أريحية روسيا تجاه العالم وقواه الكبرى لم تقتصر على ذلك. فما زاد الطين بله أن المداخيل الهائلة التي حققتها من وراء تصديرها لتلك المادة لم تتجه للاستثمار الداخلي في الاقتصاد الروسي، وبناء البنية الأساسية المتداعية للدولة، وتحسين نوعية الحياة لشعبها، وإنما جرى تهريبها للخارج، وتم إنفاقها على عمليات شراء ضخمة للعقارات في منطقة تمتد من البلطيق إلى البحر الأدرياتيكي، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا و"ميامي بيتش" في الولايات المتحدة، ما خفف من تأثير الأزمة المالية العالمية على تلك الدول، دون أن يحقق فائدة تذكر لروسيا. وينهي الكاتب بالقول إنه لا يدري ماذا يخبئه المستقبل لروسيا بالطبع، ولكن مما لاشك فيه أن تاريخ هذه الدولة على مدى العشرين عاماً الماضية قد قدم مشهداً غير مسبوق تماماً في تاريخ العالم: مشهد دولة قامت في البداية وعن عمد بتدمير إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، ثم قامت ببعثرة القليل الذي تبقى منها بعد ذلك. رسالة غير مباشرة في افتتاحية تحت عنوان «ورقة الأسلحة النووية بالنسبة لليابان» أشارت صحيفة "جابان تايمز" إلى التصريح الذي أدلى به مصدر مقرب من وزارة الدفاع اليابانية، وقال فيه إن من الواضح أن الولايات المتحدة "ما زالت مسكونة بكابوس عام 2006" . وتقول الصحيفة إن الكابوس الذي يشير إليه المصدر ليس التجربة النووية الأولى التي أجرتها كوريا الشمالية في أكتوبر من ذلك العام، وإنما التقرير الداخلي الذي أعدته الحكومة اليابانية قبل ذلك بشهر واحد، وورد فيه ما يفيد بـ"إمكانية إنتاج أسلحة نووية داخلياً". ويقول المصدر إن الولايات المتحدة تتصرف بقدر كبير من العصبية تجاه مسألة إنتاج اليابان لأسلحة نووية -على رغم حقيقة أن كوريا الشمالية قد أجرت تجربتها الثالثة في 12 فبراير من العام الجاري 2013- وأن الدليل على ذلك أن أوباما عقب التفجير النووي الأخير لكوريا الشمالية، اتصل برئيس الوزراء "شينزو آبي" هاتفياً كي يخبره بأنه لن يكون هناك أي تغيير من أي نوع في التزام أميركا بالدفاع عن اليابان، بما في ذلك توفير الردع النووي لها من خلال مظلتها النووية، وهو ما لم يكن مقصوداً به إعادة التأكيد على التزام أميركا بالمعاهدة الأمنية الموقعة مع اليابان فحسب، وإنما إثناؤها كذلك عن السير في الطريق المؤدي لتحولها إلى قوة نووية في نهاية المطاف، على رغم حقيقة زيادة شكوك اليابان تجاه قدرة أميركا على توفير الحماية لها ولكوريا الجنوبية ضد الخطر الكوري الشمالي، عن طريق مظلتها الأمنية. وفي الوقت الذي تتعرض فيه أراض تابعة لها لخطر مباشر من الصواريخ الكورية الشمالية بعيدة المدى، التي أجرت بيونج يانج تجربة عليها، وتتمتع بالقدرة على حمل رؤوس نووية. وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى الآراء التي يتبناها الساسة اليابانيون الصقور بشأن حق اليابان في تطوير سلاح نووي، مثل محافظ طوكيو السابق "شينتارو إشيهارا" ووزير المالية الراحل السابق "شويتشي ناكاجاوا" اللذين قالا بشكل علني إن اليابان يجب أن تمتلك أسلحة نووية. كما أشارت كذلك إلى الآراء المحبذة للتسلح نووياً التي عبر عنها رؤساء وزراء يابانيون متعاقبون بصفة رسمية وغير رسمية منذ أواخر عقد الخمسينيات إلى أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة. والتقرير الأخير في نظر الصحيفة يمكن تأويله على أنه يعني أن اليابان لديها بالفعل القدرة على إنتاج وتصنيع أسلحة نووية بمفردها، وأن وزارة الخارجية اليابانية هي التي تود إبقاء تلك القدرة سراً، في حين أن وزارة الخارجية الأميركية تشعر بالقلق جراء ذلك، نظراً لموقفها الرافض من الأساس لتحول اليابان إلى قوة نووية. وتشير الصحيفة إلى التصريح الذي أدلى به "توماس دونيلون" مستشار الأمن القومي الأميركي في شهر مارس الماضي الذي قال فيه إن بلاده " لن تعترف بكوريا شمالية نووية، ولن تتساهل مع تطوير أسلحة نووية من قبل بيونج يانج" وترى أن التصميم المعبر عنه من جانب واشنطن في هذا التصريح بعدم القبول مطلقاً بزيادة عدد الدول المسلحة نووية، ليس موجهاً لكوريا الشمالية وحدها، وإنما هو موجه لليابان أيضاً. أرضية مشتركة نشرت صحيفة «يوميوري شيمبيون» اليابانية افتتاحية حملت العنوان «المجتمع الدولي يجب أن يواصل الضغط على كوريا الشمالية» تشير فيها لمحاولة النظام الكوري الشمالي فرض "أمر واقع" على الأرض، من خلال تثبيت بلاده كقوة نووية، وأن ذلك في حد ذاته يمثل سبباً يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى المزيد من اليقظة تجاه محاولات تلك الدولة ومناوراتها، وإلى الحرص على عدم تخفيف الضغط عليها من خلال رفع العقوبات الدولية الصارمة المفروضة ضدها، بعد أن بات من الواضح للجميع أن نظامها ينوي تسريع عملية تطوير الرؤوس النووية، من خلال التجارب المتعاقبة التي يجريها، ما يفرض على العالم ألا يغفل عن خطورتها البالغة. وترى الصحيفة أن المجتمع الدولي في حاجة لاتباع نهج في غاية الصرامة في تنفيذ العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي، مع التركيز بشكل خاص على الفحص الدقيق لجميع الشحنات المحتوية على بضائع ممنوعة ذات ارتباط بتصنيع الأسلحة والصواريخ النووية، وعلى مراقبة التحويلات والمعاملات المالية لنظام تلك الدولة مع الخارج. ومن الأهمية بمكان في هذا السياق حث الصين التي تمثل شريان الحياة الأساسي لذلك النظام على التعاون مع المجتمع الدولي، وعدم التساهل مع انتهاكاته العديدة، وحث اليابان على زيادة وتيرة التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الشأن من خلال البقاء على أهبة الاستعداد، ومراقبة ورصد أي محاولات كورية شمالية لإطلاق الصواريخ، كما يجب على كوريا الجنوبية والولايات المتحدة كذلك أن تتعاونا من خلال تطوير المناورات العسكرية السنوية بينهما. وفي الختام رأت الصحيفة أن إجراء المزيد من المباحثات الدبلوماسية بين الدول المعنية سيوفر فرصة جيدة للتوصل إلى إجماع أو أرضية مشتركة فيما بينها بشأن التعامل الفعال مع نظام بيونج يانج. إعداد: سعيد كامل