مآزق سياسة «أولاند» الاقتصادية... وإعادة تأسيس الشراكة الفرنسية- الصينية ---------- استمرار انتقادات اليمين لسياسات فرانسوا أولاند الاقتصادية، والهجوم على السفارة الفرنسية في طرابلس، وزيارة أولاند إلى الصين، ثلاثة موضوعات محلية شغلت اهتمام الصحافة الفرنسية. ---------- أسوأ السياسات! تحت هذا العنوان كتب «إيف تريار» افتتاحية لصحيفة لوفيغارو -اليمينية- خصصها لانتقاد سياسات الرئيس الفرنسي الاقتصادية، مركزاً على الأدوار السلبية التي يلعبها بعض قيادات اليسار، خاصة في توجيه هذه السياسات وتحفيزها. وفي البداية قال الكاتب إن الخيار الأسوأ ليس بالضرورة أن يكون وقوعه حتمياً، ولكن الاشتراكيين يمكن أن يقودونا إليه بشكل مؤكد، وبأسرع مما يتوقع الجميع. وإذا كان من المرجح أن سياسات أولاند لن تخرج فرنسا من العجز المالي، وتفشي البطالة، وحال المراوحة في أتون الأزمة، فإن المؤكد هو أن الاستشارات التي يمحضه إياها "أصدقاؤه" من الحزب الاشتراكي ومن اليسار عموماً، ستقودنا في النهاية، ومن أقرب الطرق، للاصطدام مع الحائط. وهي استشارات فاشلة، وتنقصها الواقعية والعملية. ودون الحديث عن جان- لوك ميلانشون، الذي يرى نفسه قريباً في قصر ماتينيون، (الخارجية)، هنالك الآن أيضاً رئيس الجمعية الوطنية، الذي بدأ يطالب بـ"وقت مستقطع ثان من الولاية الرئاسية"! وهو بدوره يرشح نفسه أيضاً، دون أن يقول ذلك صراحة، لخلافة جان- مارك إيروت على رأس الحكومة، ولذلك نراه يبدي الآن الاستياء من ضعف قدرة الفرنسيين الشرائية! وعلى آثاره يقرع كثير من الاشتراكيين الآخرين أجراس الإنذار رافعين عقيرة التنديد بسياسات الصرامة المالية القاسية، التي تصبح في أفواههم مجرد سياسات تقشف. ولكن ما الحل؟ يتساءل الكاتب! الحل هو التنديد بـ"العناد الأناني" للمستشارة الأمانية أنجيلا ميركل! والمضي قدماً في المواجهة معها، والتحامل عليها! وطبعاً للزمن حكمه، ولذا تصعب اليوم إعادة سياسات سنة 1981 في سنة 2013 والعودة إلى سياسات تحفيز الاستهلاك، والحمائية، والتأميم. فذلك هو ما بدأ به يومها الرئيس الاشتراكي الأسبق فرانسوا ميتران، وكان هذا أيضاً هو الخيار الأسوأ والأصعب، ولكنه لم يفتح عينيه على ذلك سوى في سنة 1983. إلا أن حال أولاند اليوم مختلف، وليس هنالك سابق ولا لاحق له. وكل ما هنالك ببساطة شديدة هو دوامة كارثية بعد مرور عام من الفشل المطبق، لم يقطعها سوى استكتاب موظفين إضافيين، وخلق وظائف ولكن مدعومة، وصخب ضريبي مفرط. هجوم طرابلس في صحيفة ليبراسيون حلل الكاتب جان إيف مواسرون، وهو رئيس تحرير مجلة «مغرب- مشرق»، أبعاد الهجوم الذي تعرضت له السفارة الفرنسية في العاصمة الليبية طرابلس مؤكداً في العنوان "تفجير ليبيا: رسالة وليس مجزرة" أن على باريس عدم استبعاد وجود رسالة في هذا الهجوم، وافتراض وجود خيط من العلاقة مع الالتزام الفرنسي في شمال جمهورية مالي. وقال الكاتب إن رئيس الوزراء "إيروت" قال يوم 22 إبريل الجاري، أمام الجمعية الوطنية إن عملية "سيرفال" في شمال مالي كانت "نجاحاً سياسياً تمكن من تغيير المعادلة جذرياً ضمن الحرب على الجماعات الإرهابية"، وفي اليوم التالي تعرضت السفارة الفرنسية في ليبيا لاعتداء من خلال هجوم بسيارة مفخخة. وبوضع هذه الحدثين إلى جانب بعضهما بعضاً يقودنا ذلك للتفكير في البعد الإقليمي المتعلق بانعدام الأمن في منطقة الساحل الأفريقي. وهذا يفرض التفكير في الأسباب والنتائج وتداعياتها على السياق الوطني الليبي، وأمن ذلك البلد، وأيضاً على السياق الإقليمي الأوسع في منطقة الساحل برمتها. وباستثناء أن يكون من دبر الهجوم بعض "هواة" الإرهاب غير المحترفين، فإن الطريقة التي وقع بها يمكن أن تفهم أيضاً على أن فيها رسالة موجهة للسلطات الفرنسية. وهذا ما يفرض البحث عن تفسير لهذه الرسالة المفترضة؟ وممن؟ ولماذا؟ وهذا ما أن يكون موضوع بحث وتساؤل. أولاند والصين خصصت صحيفة لوموند افتتاحية لمناقشة أبعاد زيارة أولاند إلى بكين يوم الخميس الماضي، قد حملت عنواناً دالاً يقول «فرنسا- الصين، وساعات بكين الـ37» في إشارة إلى الوقت الذي قرر أولاند تخصيصه لهذه الزيارة، وهو ما يبدو للصحيفة غير كافٍ، ومؤشراً على عدم إيلاء الزعيم الفرنسي القدر المناسب من الانخراط مع دولة باتت هي ثاني اقتصاد في العالم. وعلى وجه المقارنة فقط مع الجار الألماني، فإن أولاند زار بكين الآن للمرة الأولى في حياته، وقد بلغ عمره 58 سنة، وهذه أول زيارة أيضاً منذ انتخابه في قصر الأليزيه قبل قرابة 12 شهراً، هذا في حين أن المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زارت الصين ست مرات، خلال السنوات الست الماضية، مرتان منها خلال سنة 2012 وحدها. وفي الغالب عندما تذهب ميركل إلى "إمبراطورية الوسط" تلك تمضي هناك 5 أيام. وفي المقابل نجد أن الرئيس الفرنسي الذي اختار أصلاً "جان بول- أورتيز" مستشاراً دبلوماسياً، وهو أحد أكبر الخبراء في الشأن الصيني، قرر ألا يمضي خلال زيارته اليتيمة هذه سوى 37 ساعة. وفي أواخر شهر أغسطس الماضي تم تعيين مارتين أوبيري، القيادية الاشتراكية، كممثلة خاصة للعلاقات الاقتصادية مع الصين، وذلك بمبادرة من لوران فابيوس، وزير الخارجية. وقد ذهبت هي أيضاً إلى الصين مرة واحدة، وعبرت عن شعور بالمرارة لعدم وجود قوة ضغط سياسي فرنسي في الصين. ومع هذا التأخر في أداء باريس في مجال الانخراط مع بكين، ترى الصحيفة أن الوقت لم يفت بعد، وأنه ما زال في مقدور أولاند تكثيف الجهود، خاصة مع تنامي الشعور الفرنسي بأهمية ومصيرية ما تعنيه آسيا بالنسبة لأوروبا. وهذا ما يظهر من السعي المحموم الآن لتدارك ما يمكن تداركه. كما يعبر عنه أيضاً السعي لتطبيع العلاقات المعقدة مع الصين، خاصة أن فتح صفحة جديدة يبدو ممكناً في ضوء تزامن وصول زعيمين جديدين لسدة الرئاسة في البلدين، أولاند في باريس، و"كسي جينبينج" في بكين. وكل هذا من شأنه تسهيل مهمة تمتين العلاقات من جديدة وإقامتها على أسس أقوى وأرسخ. والحقيقة أن رؤية أولاند للصين قد عرفت تطوراً لافتاً، بعدما كان قد أفضى للصحفي "أريك ديبن" خلال حملة ترشيحه للرئاسة بأنه يعتبر الصين "منافساً" وبأن الصينيين "قوم يغشون كل شيء"! وقد نشر الصحفي تلك الاتهامات في كتابه "الانتصار المسموم"! ولكن في النهاية، تقول لوموند، كانت الكلمة الأخيرة للبراغماتية، فقد اضطر أولاند لتغيير مقاربته، خاصة في ضوء المآزق المالية، وسرعان ما تمت دعوة السفير الصيني في باريس "كونج كوان"، وهو رجل بالغ النشاط والتأثير، وقد استقبل في قصر الأليزيه دون تأخير، من قبل الرئيس الاشتراكي الجديد. وحتى في هذه الزيارة الأخيرة أيضاً كانت ثمة إشارة لا تخطئها الملاحظة حول أهمية الرهان على العلاقات الفرنسية- الصينية، وذلك حين حرص أولاند على أن يصطحب معه ثمانية وزراء وأكثر من ستين من رؤساء الشركات. وهنا أيضاً ينتظر تدارك الكثير، خاصة أن الفائض التجاري الصيني مع فرنسا يتفوق بضعفين على الفائض مع ألمانيا. كما أن مصالح البلدين يمكن أن تختلف. ومفهومٌ أن أوروبا غارقة في الكساد والركود هي التي تجد نفسها في أشد الحاجة إلى الاستفادة من الدينامية الاقتصادية والمالية الصينية. وفي الأخير دعت الصحيفة إلى تحطيم "التابو" المرتبط بالحساسية تجاه المساهمة الصينية في رأسمال الشركات الفرنسية، بعد التأكد طبعاً من اتخاذ التدابير الكفيلة بحماية الأمن الوطني الفرنسي. أما المسائل الشائكة المتعلقة بحقوق الإنسان، فهنا على أولاند أن يجد لغة واقعية، وكما أظهرت ذلك التجربة الألمانية، فليس هنالك تعارض بين ممارسة إدارة الأعمال وتسمية الأشياء بمسمياتها. وفرنسا تستطيع أن تكون شريكاً للصين دون أن تضحي بمبادئها. مرحباً بك إذن في الصين، سيادة الرئيس! تقول الصحيفة في ختام افتتاحيتها. إعداد: حسن ولد المختار