قال «أبونوال»، وهو أحد المعتقلين من قادة «القاعدة» في العراق عام 2007، إنه لم ينتم إلى الجماعة ليقتل الأميركيين أو ليقيم دولة الخلافة الإسلامية، بل انتمى لغرض المال، حيث كان يتلقى ما يصل إلى 1300 دولار شهرياً. أبونوال، البالغ من العمر 28 عاماً، التحق بالجماعة في الصيف لأن عمله في التعدين توقف. وقال إنه كان مسؤولاً عن ترتيب دفع الرواتب لنحو 500 من المقاتلين، مما قال إنهم يحاولون تنفيذ ما يصل إلى 30 هجوماً كل يوم! معظم أموالنا، أضاف، "تأتي من دفعات نتسلمها من أماكن مثل سوريا، وكذلك من عمليات اختطاف". أحد كبار رجال الجيش في الموصل أضاف، أن عمليات الابتزاز التي كان يمارسها تنظيم "القاعدة في العراق" امتدت إلى كل الأعمال التجارية بمدينة الموصل، بما في ذلك مصنع للبيبسي، ومصنعان لإنتاج الإسمنت، وشركة للهواتف الجوالة كانت تدفع للمتمردين شهرياً مبلغ مائتي ألف دولار. وقال قائد الكتيبة الأميركية في الموصل، إن أكبر دخل مالي للمجموعة تحقق بواسطة عملة احتيال عقاري إثر سرقة المجموعة المتمردة وثائق تسجيل أراض وعقارات قيمتها 88 مليون دولار وباعتها مجدداً. وأضاف الكولونيل "إيريك ويلش"، إن الموصل "تعتبر مركزاً لتحويل الأموال للمتمردين من سوريا ودول أخرى". وقد اكتشفت القوات الأميركية لدى القبض على "أبونوال"،أنه كان يحمل جواز سفر يدل على أنه زار سوريا ثلاثين مرة. "أبونوال" اعترف بأن قائد المجموعة في شمال العراق، ويدعى "محمد الندي" أو "أبوبشاير"، طالب المقاتلين بشن هجماتهم على المدنيين بغرض تثبيت الخوف والفزع لديهم تجاه تنظيم "القاعدة في العراق". من أخطر وأشرس مقاتلي القاعدة العناصر القادمة من أوروبا ودول الغرب، وبخاصة تلك التي تسهل دخول العرب والمسلمين وتيسر لهم سبل الحياة! وقد بدأت كندا تلفت الأنظار مؤقتاً، بعد أن تمت تغطية دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وبدا غريباً للمحللين أن هذا البلد لم يشهد أي "اعتداء إسلامي"، إلا أن عدة محاولات جرت بعد 11 سبتمبر 2001، وكان أبرزها عام 2006 حين تم تفكيك "مجموعة تورنتو 18"، التي كان عناصرها يعتزمون تنفيذ سلسلة تفجيرات تستهدف مؤسسات كندية. وفي اتصال للصحيفة بالإسلامي المصري "ياسر السري"، مدير "المرصد الإسلامي" بلندن، قال "إن مميزات الإقامة في كندا تتيح الحصول على الجنسية الكندية، وبجواز السفر الكندي تمكن الإسلاميون من التنقل بسهولة إلى دول كثيرة مثل أفغانستان وباكستان. إنهم بصورة عامة من المهاجرين، أو ينحدرون من مهاجرين ويحملون جنسيتين، وقد استفادوا من تسهيلات السفر التي يتيحها جواز السفر الكندي للانتقال إلى أفغانستان والصومال". ويقول د. هاني السباعي، مدير مركز المقريزي للدراسات بلندن: إن الجيل الأول من المهاجرين العرب الذي استوطن كندا كان كثير منهم أطباء ومهندسين، وعندما اندلعت الحرب السوفييتية في أفغانستان التي دامت عشر سنوات 1979-1988، سافرت كثير من العوائل العربية من كندا إلى باكستان، وعمل كثير مهم في مجالات الإغاثة الإسلامية. وكانت الدول الغربية تشجع على ذلك من أجل طرد المحتل الروسي لبلد إسلامي، ونشأ الجيل الثاني من أبناء الجاليات العربية في أفغانستان وباكستان وسط بيئة قاسية، وتعوّد وتشبع الجيل الثاني بحياة وأفكار المجاهدين الأوائل، وكانت عودتهم الثانية إلى كندا وبقية الدول الغربية، بعد انتهاء حرب أفغانستان وسقوط "طالبان"، بأفكار إسلامية خالصة. وقال أحد رجال الاستخبارات الكندية: "لدينا في مونتريال على الأخص مجموعة جزائرية مهمة تنشط منذ أكثر من عشرين عاماً: كما تضم كبرى مدن إقليم "كيبيك" جالية كبيرة منحدرة من شمال أفريقيا وتربطها علاقات تاريخية كثيرة مع خلايا إرهابية عبر المحيط الأطلسي. ويقول محمد الشافعي في مقال بعنوان "كندا باتت قاعدة خلفية للجهاديين الإسلاميين"، إن كندا كانت هكذا منذ سنوات قبل أن تبدأ الحرب في أفغانستان مع سقوط حركة طالبان 2001. ومن الذين تحدثوا إلى الإعلام مؤخراً عن "القاعدة" من الداخل، السعودي "خالد الجهني"، العضو السابق في التنظيم، وكان قد دخل أفغانستان عام 1996 عن طريق ممر خيبر بتسهيلات من بعض النافذين في التنظيم ممن لديهم علاقات مع حرس الحدود الباكستاني، والتقى بن لادن بعد ذلك بعامين. ويقول "الجهني" إن قياديين من تنظيم القاعدة نصحوا بن لادن بعدم معاداة الولايات المتحدة أو تنفيذ ضربات داخلها، لأن أفغانستان لا تتحمل أي هجوم من الدول العظمى، كما أن مؤسساتها في طور البناء بعد سيطرة طالبان ولا يمكنها تحمل أي هدم جديد، "لكن بن لادن رفض تلك النصائح ونفذ تهديداته بضرب برجي مركز التجارة العالمي". قال "الجهني" إنه في الوقت الذي بدأت فيه طائرات سلاح الجو الأميركي بقصف أفغانستان، صدرت أوامر من قيادة التنظيم بأن يلجأ 350 مقاتلاً لجبال تورا بورا.. وعندما لمس التنظيم انهيار معنويات المقاتلين جراء القنابل والصواريخ التي نزلت عليهم، خرج عضو التنظيم "سليمان أبوغيث" بخطاب أعلن فيه أن التنظيم سيعاود ترتيب صفوفه في أقرب وقت، أعقبها حديث من بن لادن أكد فيه أنهم سينتصرون وأن الولايات المتحدة ستنسحب لتكبدها خسائر يومية جراء الحرب. "لكن المفاجأة التي لم يتوقعها أحد هي صدور أوامر بالانسحاب من جبال "تورا بورا"، وكان بن لادن في طليعة المنسحبين من مجموعته الخاصة التي تضم 20 مقاتلاً، واتجه لمكان مجهول واتجه نائبه أيمن الظواهري لمكان آخر. وروى "الجهني" حكايته مع الاعتقال والسجن في وجوانتانامو إلى أن تم تسليمه للسعودية في أواخر عام 2005، مبيناً "أنه كان يعتقد أن من سافر للقتال معهم ملائكة، إلا أنه وجدهم بشراً مثله". في مايو 2010، أعلن تنظيم "القاعدة في اليمن عن تعيين قائد جديد له، بعد توالي سقوط قيادات التنظيم، وهو "عثمان آل عميرة الغامدي"، وقد سبق أن شارك في قتال القوات الأميركية بأفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. برز "العولقي"، إمام أحد المساجد في واشنطن، خطيباً مفوهاً متمكناً من العربية والإنجليزية، بعد أحداث سبتمبر، وتحول هذا الإسلامي الطموح الذي كانت محاضراته في السيرة النبوية تشكل جزءاً مهماً من المواد الإعلامية الدينية في منازل آلاف المسلمين الأميركيين، إلى داعية تفاهم واعتدال، حيث قال في خطبة جمعة بعد الحادث: "نحن هنا للبناء لا للتدمير، نحن جسر بين الأميركيين وعالمنا الإسلامي الذي يبلغ تعداده مليار مسلم". وبعد تسع سنوات من اختفائه في اليمن، أعلن "العولقي" الحرب على الولايات المتحدة من خلال الإنترنت. في إحدى محاضراته بلندن بعد تركه أميركا وقف خطيباً بين الأتباع الشباب كان أنور العولقي يحب من الأدباء الغربيين تشارلز ديكنز ولا يحب شكسبير، ومن الإسلاميين سيد قطب. وكنت أحس أن المؤلف يسيطر عليِّ، وكنت أشعر أن سيداً في زنزانتي يتحدث معي مباشرة". وفي يوليو 2010 قالت الحكومة الأميركية إن أنور العولقي هو زعيم "القاعدة" في اليمن، وإنه ساعد في توجيه محاولة التفجير الفاشلة لطائرة ركاب فوق ديترويت، وإنه قد تم وضعه بالقائمة السوداء باعتبار أنه "إرهابي عالمي خطير من طراز خاص. لقد شارك بنفسه في كل حلقة من سلسلة توريد الإرهاب، بجمع الأموال للجماعات الإرهابية، وتجنيد الناشطين، وتدريبهم، والتخطيط لهجمات على الأبرياء، وإصدار الأوامر بتنفيذها". لقي العولقي حتفه في القصف الذي استهدفه من قبل مجموعة طائرات أميركية من دون طيار في أواخر سبتمبر 2011، هذه مجرد أوراق في ملف الإرهاب الضخم. فلا شك أن ثمة الكثير مما يمكن الحديث عنه. ولا شك أننا نتساءل مع الكثيرين، رغم أن الإرهاب لا يعرف الأمم والحدود، لماذا نحن في العالم العربي والإسلامي أبرز المبتلين به، وأول من يرتاب بهم المحققون بعد كل عملية في الخارج؟ ماذا بقي من سمعة الإسلام والمسلمين، بعد أن أنزل بنا الإرهاب وجماعاته ما أنزل في بلداننا، وفي أوروبا وأميركا وروسيا؟