د. خليفة علي السويدي في الساعة الأولى لانطلاق معرض أبوظبي للكتاب في دورته 23 كنت حريصاً على أن أكون في قلب الحدث. وقد شدني حضور الناس قبل الافتتاح الرسمي للمعرض الذي يرسم للإمارات لوحة ترصد واقع المعرفة. فعندما تُذكر الإمارات، يُشار إليها بأنها بلد الاقتصاد والتنمية، ولكن المنصفون يعرفونها بالثقافة والفكر. وتأتي هذه المعارض كواحات غناء في صحراء تهنأ فيها ردحاً من الزمن. في العاصمة أبوظبي تجتمع هذه الأيام دور نشر تمثل 50 دولة حول العالم، زفت لنا أكثر من نصف مليون كتاب بأكثر من 30 لغة... إضافة إلى المحاضرات والدورات وورش العمل المختلفة. في وسط ذلك الزخم تمشى معي أحد الأفاضل ليسألني ويتحاور معي، وكان مما عرض له عزوف الشباب عن القراءة، جمدت في حيرة فكرية بين الواقع الذي أراه في المعرض، وبين الأرقام التي تؤرقني حول قراءة العرب وإسهامهم في الثقافة العالمية والإنتاج الفكري والمعرفي، لست هنا بصدد البحث عن مبررات لكن لفهم جذور المشكلة. الأسرة هي المحضن الأول لتنمية روح القراءة لدى الشباب، فكلما رأى الأطفال أبوين يقرؤون، رسختْ في نفوسهم تلك الصورة الإيجابية للقراءة، وبدأ التقليد من قصص تقرأها الأم وطفلها في الفراش، ويستيقظ ذلك الصغير ليرى الأب نائماً، وهو يحتضن الكتاب. ليس ذلك من وحي الخيال، لكنه واقع تعيشه الأمم التي تعرف فوائد القراءة، فغرست تلك الروح في أجيال المستقبل حتى أصبحت المكتبة لديهم مكاناً للأنس من وحشة الطريق وضيق القلوب، فترى الكتاب رفيقهم في حلهم وترحالهم. العامل الثاني الذي تتجه إليه إصبع الاتهام في انحسار القراءة من أجندتنا اليومية هي المدرسة، ففي زمان طفولتنا كانت عندنا حصص للقراءة، وأتذكر روائع الأدب العالمي الذي كنا نستمتع به مثل تاجر البندقية لشكسبير، وغير ذلك من قصص كانت توزع علينا، اليوم للأسف الشديد قليلة هي المدارس التي يكون للقراءة مكان في جدولها المزدحم، بأمور نتفق حولها أو نختلف، لكن القراءة هي المورد الأساس للمعرفة، فينبغي أن ينشأ عليها التلاميذ منذ المراحل الأولى في حياتهم. قد أكون مبالغاً في طرحي القادم، لكنني أزعم أن ما مررنا به من تجاهل للعربية في مؤسساتنا التعليمية، أو في التعليم العالي والاتجاه نحو لغة أجنبية، جعل الأطفال في المدارس والطلاب في الجامعات لا يكون لديهم شغف بالقراءة، فهم لا يكادون ينهون فقرة من الكتب الأجنبية كي يحفظوا ما بها من مصطلحات أبعدتهم عن لغتهم الأم بطريقة غير مباشرة. فهل عند المتعلم وقت للقراءة بعد إرهاقه بحفظ كلمات يحفظ رسمها، ولا يكاد يميز كنهها؟ كما أن لذة البحث والتأمل عند طلابنا وازدحامهم في مكتبات الجامعات عصفت بها السرقات الإلكترونية المعلبة لهم، فلماذا يقرأ ويجتهد في زمن السرقات الأدبية الإلكترونية كل ذلك، لأن العربية لم تعد لغة التعليم الأساسية عند البعض، وآخر عامل أتطرق إليه، هو جهلنا بفنون القراءة المختلفة. ففي الدول الأخرى نرى التلاميذ يتعلمون فنون القراءة السريعة التي تمكنهم من تصفح أكبر عدد ممكن من الكتب أسبوعياً، كما أنهم يتزودون بفنون القراءة التصفحية والناقدة، وغيرهما من أشكال القراءة، التي تجعلهم لا يستسلمون للنص المكتوب دون بحث وتنقيب في الدليل.