لا يزال الصراع في بلاد «الربيع العربي» يتفاقم ويحتد، وتفاقمه لا يعني نهاية مطالب الإصلاح، وفي الوقت نفسه يحتد الصراع المذهبي في بعض الدول العربية؛ فالعراق يقترب من لهيب الحرب الأهلية، وفي سوريا يتكسر كل شيء ولا منتصر في المعركة، حيث يصر النظام على مواصلة المواجهات العسكرية غير عابئ بالخسائر البشرية. وفي مصر يحتدم الصراع في ظل حكم «الإخوان المسلمين»، والحال نفسه في ليبيا. وبكل المقاييس، هناك فوضى عارمة، فوضى لا يؤمَن جانبها ولا تداعياتها. ولعل الحالة المصرية تكشف عن كثير من مخاوف قيام الدولة الدينية التي يقودها فصيل من فصائل الإسلام السياسي. فالخبر الذي نشر مؤخراً حول تطبيق الحد في الجلد على شارب الخمر من قبل أحد وكلاء النيابة، يؤكد الفلتان الكبير الذي يهدد ركائز الدولة المصرية. لقد استبشر الغرب خيراً بالتحولات العربية، إلا أن بعض الدول ترى في هذه التحولات خطراً على أوضاعها، لكن في نهاية المطاف يتعين أن نذكر بأن ما حدث في إطار ما يسمى «الربيع العربي» هو دلالة على تحولات طبيعية للمجتمعات البشرية، فحركة التغير في التاريخ والمجتمع من القضايا المحسومة. بيد أن التغيير تعطل في المنطقة العربية ولعقود طويلة، فانتشر الفساد بشكل مخيف، ما جعل بعض الشعوب تقف في مواجهة الأمن غير عابئة بنتائج المواجهات. إن هذا التحول، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، هو مؤشر ينبغي أن نفهم أعماقه وأبعاده، وألا نستكين للرهان الأمني حول اقتلاع الرغبة في التغيير. وبكل تأكيد، هناك خلل في كثير من مجتمعاتنا، وهذا الخلل يتسبب في أزمات ليست فقط في محيطنا العربي، وإنما في أزمات عالمية أيضاً، ومنها ما يسمى بالإرهاب. فخلال فترة وجيزة شاهدنا أحداث بوسطن وقبلها مالي ومن ثم كندا. ويبدو أن المعركة مع الإرهاب مستمرة ولن تتوقف أو تنتهي قريباً، فهي ترسم مراحل قادمة وعلينا إعادة فهمنا للدين وكيف نخفف من حدة الاحتقانات الاجتماعية ونعمل على إيجاد تصورات إصلاحية تحافظ على ركائز الدول. الغرب يرى المنطقة العربية باعتبارها منطقة تولد الأزمات العالمية، وبكل تأكيد فهو يسعى لتحديث هذه المنطقة، إيماناً منه بأن الاحتقان السياسي سبب من أسباب ارتفاع حدة الراديكالية الإسلامية التي تنتشر بشكل ملفت للانتباه. فالعالم يشعر بقلق من تنامي هذه الظاهرة ويعتقد أن نموها يمثل مشكلة خطيرة تهدد السلام العالمي، ومن ثم يرى في الإصلاحات السياسية طريقاً نحو التفاهم لحل أزمة البلاد العربية. في مرحلة سابقة، كانت نتائج الصراعات تقع ضمن حدود الدول الوطنية، إلا أنه بعد أحداث سبتمبر خرج الصراع إلى العالم، وتحول إلى مواجهات عنيفة تضع العالم في موقف المواجهة مع مدارس الفكر الديني العنيف. القراءة البسيطة قد تدفع البعض في الغرب للقول بضرورة البحث عن حلفاء جدد في المنطقة، وهم في هذه الحالة جماعة «الإخوان المسلمين» باعتبارها تحمل أفكاراً براجماتية تتكيف مع الأوضاع المختلفة! إلا أن نماذج الحكم في مصر وتونس تشير إلى غير ذلك. وحتى العراق المحرر من حكم صدّام حسين، مازال يغوص في بحر من الأزمات، ما يعني أن الانتقال نحو الديمقراطية ليس كفيلًا في كل الأحوال بإحداث نقلة نوعية في مجتمعاتنا العربية. فالمنطقة العربية ودون استثناء معرضة لهزات كبيرة ولا مناص لنا من فهم الخلل ومعالجة الثغرات والعمل على إعادة فهم الدور السياسي للدين، فهو اليوم يشكل أحد أهم الأدوات، سواء للنظم السياسية أو القوى المناهضة لها، فهو مصدر إلهام، ومن ثم فإعادة صياغة دوره في بناء القيم الأخلاقية تشكل ضرورة لمستقبل التعايش بين الجميع.