من بين كل الأسئلة المحيطة بتفجير ماراثون بوسطن التي ما زالت عالقة، يبقى السؤال الأهم، هو لماذا لم تنفذ "القاعدة" هجمات أكثر على شاكلة 11 سبتمبر؟ فعلى مدى الاثنتي عشرة سنة التي تلت هجمات 11 سبتمبر سعى تنظيم "القاعدة" إلى شن هجمات شبيهة بتلك التي نفذها في 2001، حيث خطط لاختطاف طائرات وتفجيرها فوق الولايات المتحدة، كما حاول التنظيم استهداف مطار هيثرو في لندن، وفي المجموع سعت "القاعدة" إلى تفجير طائرات ركاب تحمل ما لا يقل عن 1500 راكب فوق المحيط الأطلسي، من خلال استخدام سوائل متفجرة خبئت في مشروبات رياضية، وبالمثل حاولت "القاعدة" في اليمن تفجير إحدى الطائرات المدنية المتجهة إلى ديترويت باستخدام قنبلة صغيرة مخبأة في الملابس الداخلية للإرهابي، وفي مناسبة أخرى خططت "القاعدة" لتفجير طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة باستعمال حبر الطابعة، بحيث كان من المتوقع تفجيرها فوق الساحل الشرقي، ولحسن الحظ لم تنجح أي من تلك المحاولات وإلا كانت الكارثة. وإذا كان الحظ قد حالفنا في تفادي تفجير ديترويت، بعدما تمكن الإرهابي من اختراق الأمن، وتجاوز المراقبة في المطار والتسلل بالقنبلة إلى داخل الطائرة التي شاء القدر أن تتعطل لاحقاً، إلا أنه في المرات الأخرى أُحبطت محاولات التفجير بفضل جهد استخباراتي مكثف وعمل أمني جاد في تفادي الأسوأ. والحقيقة أنه منذ هجمات 11 سبتمبر أصبح من الصعب على الإرهابيين شن هجمات مماثلة على نطاق واسع. فلماذا تواصل "القاعدة" إذن محاولتها اختراق الدفاعات الأميركية، واستهداف الولايات المتحدة؟ ولماذا تصر على الهجمات الكبرى التي تُسقط عدداً أكبر من الضحايا بدلًا من الهجمات التي تتم على نطاق أصغر مثلما حدث في بوسطن؟ وهي الهجمات التي يسهل تنفيذها ويصعب على الأجهزة الأمنية رصدها ومنع وقوعها، ناهيك عن أن الهجمات صغيرة الحجم لا تقل خطورة عن تلك الكبيرة في شل الحياة في المدن الأميركية، مثل الهجمات التي شنها شاب يافع ووالده في محيط واشنطن، من خلال بندقية في أكتوبر 2002، بحيث سيكون الأمر سهلًا على "القاعدة" تنفيذ هجمات مشابهة في مدن أميركية أخرى، واستهداف أشخاص بعينهم مثل نواب الكونجرس، أو المدنيين، أو تفخيخ بعض الأماكن الحيوية في الولايات المتحدة. ولنا أن نتصور التأثير الذي ستحدثه هجمات متزامنة في أحد أيام السبت في مدن مختلفة، أو في حال تفجير قنبلة بالتوازي مع المباريات الرياضية، فبإمكان "القاعدة" تحويل واشنطن ونيويورك وبوسطن إلى ما يشبه بغداد، لكن مع ذلك لم تختر "القاعدة" هذا الطريق، وهو ما يدعونا للتساؤل عن السبب. وفي اعتقادي أن الهجمات الكبرى التي شنتها "القاعدة" في 11 سبتمبر واستهدافها لأماكن مهمة، مثل برجي التجارة العالمية ومقر البنتاجون والعدد الكبير من الضحايا الذي خلفته الهجمات، كل ذلك جعل التنظيم متوجساً من خفض مستوى أدائه، لأن من شأن ذلك أن يظهره بمظهر الضعيف في عالم ما يسمى "الجهاد"، وينظر إليه بأنه ما عاد قادراً على شن الهجمات الكبيرة الجديرة باسمه. وربما يرجع السبب أيضاً إلى مقتل زعيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، الذي كان وراء الهجمات الكبيرة، وكان أحد المدافعين عنها، وبعد خروج الزعيم من الساحة قد تكون "القاعدة" غيرت من تكتيكاتها بالاعتماد أكثر على الهجمات الصغيرة التي تبقيها على قيد الحياة، وإنْ لم تكن بنفس حجم المحاولات السابقة، لا سيما في ظل الاستقلالية الواضحة التي باتت تتمتع بها تنظيمات "القاعدة" الفرعية في اليمن وشرق أفريقيا والمغرب الإسلامي. ومع أننا لا نعرف حتى اليوم ما إذا كان الشابان من أصول شيشانية المتورطان في تفجير ماراثون بوسطن مرتبطين بـ"القاعدة"، أو تلقيا أي تدريب من قبلها، إلا أنه في حال تبين وجود علاقة بين الشابين و"القاعدة" سيكون علينا طرح السؤال التالي: هل نحن بصدد تغيير في أساليب "القاعدة"؟ وهل اتخذ التنظيم قراراً داخلياً بالتركيز أقل على الهجمات الكبرى والاتجاه نحو الأهداف الصغرى، التي يمكن الوصول إليها بسهولة، على غرار ما حدث في ماراثون بوسطن؟ وحتى إذا لم تكن "القاعدة" ضالعة في التفجير الأخير، فإن النتائج التي ترتبت عليه يمكنها دفع "القاعدة" إلى سلوك طريق مماثل، بالنظر إلى التغطية الإعلامية الواسعة التي خضع لها الحدث والتأثير الذي تسبب فيه التفجير لناحية شل الحياة في المدينة قد تحث زعماء "القاعدة" على تجريب الأسلوب نفسه، لا سيما أنه رغم صغر حجم التفجير في بوسطن، فإن تداعياته على حياة الناس ونفسياتهم كانت كبيرة، والمشكلة أنه لو غيرت "القاعدة" تكتيكاتها، فإن ذلك سيكون سيئاً بالنسبة لأميركا لصعوبة تأمين جميع الأماكن والمدن، الأمر الذي يضع أعباء إضافية على الاستخبارات، ويحملها مسؤولية كبرى في جمع المعلومات وتعقب العناصر الخطيرة لمنع تكرار الهجمات. ورغم النجاح الذي تحقق على مدى العشرية الأخيرة في تفادي التفجيرات الإرهابية يبقى من الصعب على الأجهزة الأمنية- في حال غيرت "القاعدة" استراتيجيتها وقررت التركيز على الأهداف الصغيرة- التعامل مع التحديات الجديدة وتأمين المدن والمناسبات العديدة. ـــ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ مارك إيه تايسين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"