سُئل الداعية الدكتور يوسف القرضاوي في آخر حلقات برنامجه المفضّل «الشريعة والحياة» على قناة «الجزيرة» عن حُكم الأمان الذي يُعطى للأسرى ممّن يسلمون أنفسهم للجيش الحر في سوريا على أن لا يمسّهم سوء، ثم يتبين أنهم كانوا قد قَتلوا واغتَصبوا. في البداية قال إنه لا جناح عليهم ما داموا سلّموا أنفسهم مقابل الأمان، ثم أضاف أن على كل جماعة إسلامية (لم يذكر الجيش الحر) أن تشكّل من داخلها مجموعة من أهل الحل والعقد ليكونوا بمنزلة أولي الأمر الذين تجب طاعتهم، وإذا رأوا أن من سلّم نفسه لا شيء عليه، فلا حرج عليه. علماً بأنه في بداية حديثه ذكر أن المقاتل لابد أن يكون وقع منه قتل. ولأن السؤال بقي بلا إجابة، فقد أعاد مقدم البرنامج السؤال عمّن أُعطي الأمان، وكان قد قتل أو اغتصب أو سلب ونهب، فتخلّص القرضاوي من المسألة بقوله إن الأمر متروك للجهة التي يُسلّم نفسه لها. فمرة لا جناح عليه، ومرة يُحاكم (أين؟)، ومرة جهة (مجهولة) تقرر، علماً بأن السؤال كان عن «حُكم»، أي حُكم الله في هذه المسألة، وهو الحُكم الذي سيُنزله من يأخذون دينهم من القرضاوي. ثم سأل شخص يعيش في بلجيكا عن الشباب الذين يخرجون دون إذن آبائهم من أوروبا للجهاد في سوريا، فقال القرضاوي، أو أفتى أو قضى أو حكم (لا أعرف ما هو الوصف الصحيح) بأن أهل البلد هم من يقررون إن كانوا في حاجة لهؤلاء الناس (المقصود بالناس هم الشباب الذين كانوا موضوع السؤال لكن لم يذكرهم لسبب غير معروف) وأن أهل البلد يقررون إن كانوا في حاجة «كمية» من الأشخاص أم أصحاب تخصصات عسكرية معينة. وأضاف أو أفتى بأن الأصل في سوريا أن أهل البلد جميعاً مُحتاجون إليهم في الجهاد، سواء في القتال أو في خدمة المقاتلين، لذلك (وهي أداة ربط تفيد النتيجة) ليس مطلوباً إذن الآباء، لأن الجهاد هنا فرض عين على الجميع يسقط معه إذن الآباء. ولا أعتقد أن السائل فهم شيئاً، فتارة أهل البلد هم من يقرر، وتارة أهل البلد يُحتاجون جميعاً، وتارة الجهاد فرض عين لا يحتاج إذناً، وكان سؤاله في الأساس عن الشباب في أوروبا. لست مؤهلاً لإعطاء رأي في فتاوى القرضاوي، لكن الذي يحدث أن تلك المقاطع من البرنامج ستُعد كفيديوهات بعناوين مثل: «فتوى القرضاوي في الذهاب إلى سوريا للجهاد»، ومن يكتب في خانة البحث بـ «جوجل» عبارة «فتوى القرضاوي» ستظهر له قائمة لفتاواه المختلفة، وبعض النتائج ستأخذه إلى موقعه الإلكتروني، ومواقع أخرى تنشر فتاواه، وبعضها الآخر ستأخذه إلى فيديوهات مبثوثة في «يوتيوب» يبدو فيها وهو «يفتي» في ذلك البرنامج. ويفضّل المرء فيديو لا تتجاوز مدته بضع دقائق على قراءة نص طويل عريض، كما أن مصداقية الفيديو أعلى من مصداقية النص الإلكتروني، خصوصاً أن المستفتي يسمع المستفتى ويراه. أما من يحرص على مشاهدة ذلك البرنامج، فإنه يعتقد أن ثقافته الدينية تزداد مع كل حلقة، ولا تسأله إن كان يعرف الفرق بين الحكم الشرعي والرأي الفقهي والكلام الذي «لا يودي ولا يجيب». بُثت الحلقة وشاهدها من شاهدها، وستُقتطع منها لقطات لتنشر في الإنترنت لسنوات، وسيأخذ كثير من المسلمين دينهم من ذلك اللف والدوران.