هناك استغراب واستفهام كبيران مما يحاول البعض تدبيره لأمن الإمارات بشكل خاص، والدول المستقرة اجتماعياً بشكل عام، من خلال محاولات متكررة لزعزعة هذا الاستقرار وزعزعته. ويعود الجزء الأكبر من هذا الاستغراب إلى أن من يحاول المساس بأمن الإمارات أو الخليج من أبنائه، أو ممن يعملون هنا منذ سنوات، كما هي الحال في الأسبوع الماضي، عندما تم اعتقال سبعة من أعضاء تنظيم «القاعدة» يعملون في الدولة للتغطية على تجنيد أعضاء جدد للتنظيم. والواقع يقول إن هناك محاولات لإدخال دول الخليج كلها في الفوضى الحاصلة في الدول العربية، والأهم الإضرار بالإمارات تحديداً، أو إخضاعها لأهداف تيار الإسلام السياسي الذي ركب موجة «الربيع العربي»، وأعلن نقاط الانطلاق لتحركه، وكانت الإمارات هدفه الثالث بعد تونس ومصر. الموقف الإماراتي الصريح والمباشر في التعامل مع من يريدون تخريب الاستقرار الخليجي، من خلال عدم الرضوخ لنواياهم ومواجهتهم بالأدلة والبراهين، يجعل من الطبيعي أن يكون استهداف استقرارها وتنميتها مسعى أساسياً لتلك النوايا غير الحسنة. وإدخال الإمارات والخليج ضمن أجواء «الربيع العربي» هو ما سيهدئ بال المخربين من أي تيار. هذا هو ملخص ما يريد أن يفعله أعضاء تنظيم «القاعدة»، والمنتمون إلى تيارات الإسلام السياسي. والحقيقة الأخرى التي يمكننا أن نعرفها من الاعتقالات أن لدى هذه التيارات مجموعات منتشرة في المجتمعات الخليجية تسعى لتمرير أفكارها، سواء من خلال تجنيد أفراد المجتمع (كما وضح في الاعتقال الأخير) ،أو من خلال نشر أفكارها وإيجاد حالة من التعاطف مع المخربين. المشهد يقول إن تطلعات أصحاب الفوضى الاجتماعية أصبحت بلا حدود بعد «الربيع العربي»، وصارت مغرية لهم. والكل يعلم أن أصحاب هذه الحركات من «القاعدة» وغيرها، إنما ينشطون في أجواء الخراب والفوضى، وحيث ينعدم الأمن. لكني أكاد أجزم بأن ما اختطفته من نصر في بعض الدول العربية، خاصة مصر، لن يكتمل، على اعتبار أن إرادة الشعوب لن تسمح لهذه الجماعات بمواصلة فوضاها. قد يكون معتقلو الأسبوع الماضي من تنظيم «القاعدة» يختلفون عن «الإخوان المسلمين» المنتشين في الساحة العربية من ناحية منهج التغيير وأسلوب الوصول إلى السلطة، لكن هناك نقطتين تؤكدان أن التيارين يتفقان في الأساس. النقطة الأولى، إنه بالعودة إلى تاريخ تنظيم «القاعدة» سنجد أن مؤسسيها خرجوا من عباءة «الإخوان المسلمين». ومنذ بدء محاولات «الحسم المجتمعي» في الدول العربية بين التيارات الفكرية، كشفت مواقف شتى عن تعاطف «الإخوان المسلمين» مع «القاعدة»، بل نستطيع أن نخرج بنتيجة أن الفصل بين كل حركات الإسلام السياسي قد يكون شكلياً فقط. النقطة الثانية، إنه يكاد يتفق كل من انشق عن «الإخوان» وكتب عنهم من الداخل على أن حركتهم متشددة في أفكارها، بل إن الواقع الميداني في مصر اليوم يؤكد أن هذه الحركة ليست، كما كان يعتقد المراقبون، مؤمنة بالمشاركة السياسية وبالحريات، بل نجد اليوم أن من كانوا يؤيدونها قد تراجعوا عنها. واليوم هناك اقتناع بأن الموقف الإماراتي من تيار الإسلام السياسي هو الأدق والأقرب للواقع. والضربة الموجعة التي وجهتها الإمارات للمنتمين إلى هذا التيار العنيف ليست في اعتقالهم المتكرر، فهذه هي المرة الثالثة التي تكشف فيها الإمارات عن مخططات لاستهداف الاستقرار الداخلي للدولة، وليست في إعلان الإمارات عن موقفها الصريح ضدهم، وإنما الضربة الحقيقية كانت في إحالة ملفهم بالكامل إلى القضاء الإماراتي، وبالتالي أصبحت القضية جنائية، بعد أن أثبتت الوثائق خطورة «اجتماعات المزارع» في بعض إمارات الدولة. وسياسة المكاشفة والشفافية الإعلامية في تغطية المحاكمات أفقدتهم الكثير من أساليبهم و«تكتيكاتهم» لخداع المجتمع، فكانت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تنقل ما يتم في القاعة بكل وضوح، ما أفقدهم التعاطف الشعبي، وهو العنصر الذي كانوا يتلاعبون به. الإمارات عقبة في وجه المتطرفين؛ وبالتالي لابد أن تكون مستهدفة من تلك الحركات، لأنها في كل مرة تنجح في نسف مخططاتهم على المستوى المحلي والدولي، من خلال فضحهم، سواء في أفغانستان، عندما عملت على تطوير المجتمع الأفغاني، أو في باكستان عندما قامت بعلاج طفلة مثل «ملالا» التي كاد هذا التنظيم يُفقدها حياتها. وتشير كل الدلائل إلى أن المنتمين لحركات الإسلام السياسي يريدون أن يجعلوا مستقبل منطقة الخليج، وليس دولة الإمارات فقط، في أيديهم. وتشير الشواهد إلى أن الطريقة المثالية في تحقيق أهدافهم تكون من خلال الفوضى. إن إنجازات حركات الإسلام المتطرف تتمثل في أمرين اثنين: الأول؛ النتيجة التي خرج بها الإسلام والمسلمون من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، والتي ما زلنا نعاني تداعياتها. والثاني؛ الفوضى المجتمعية وانتعاش «القاعدة» بسبب تلك الفوضى، وكذلك التراجع الاقتصادي والتنموي للمجتمعات التي يحكمونها. وأعتقد أن «غباءهم» وسذاجتهم دفعاهم إلى أن يعتقدوا بأن الأجهزة الأمنية في دول الخليج «لاهية» أو غير منتبهة في ظل الفوضى، وبالتالي فإن الأجواء بالنسبة إليهم تبدو مناسبة لبث فكرهم. لم يعد هناك أي مبرر لأن يقف أحد مع المجموعات التي تريد تخريب الوطن، سواء في الإمارات أو في دول المنطقة، وخاصة رجال الدين، بل على الجميع إعلان رفضهم لها. ما تواجهه الإمارات مشهد جديد تماماً، فلم يخطر على بال أحد أن يظهر من يريدون الإساءة إليها بإصرار، وهم اليوم يلحون على تدمير قصة نجاح عربي وإسلامي حقيقي. إفشال الإمارات مشروع الإسلام السياسي في المنطقة يمثل خطراً على كل المتطرفين، وبالتالي كان من الطبيعي استهداف هذه الدولة التي تشكل نموذجاً رائداً في التعايش والسلام.