على رغم أن المفاوضات مع النظام الكوري الشمالي قد استمرت لعشرين عاماً، فإنها لم تفض مع ذلك لجعله أكثر استعداداً للتعاون، حيث لا يزال يقمع شعبه بلا رحمة، وينخرط في أنشطة انتشار نووي وصاروخي، ويهدد الدول القريبة والبعيدة بالدمار، ويهاجم كوريا الجنوبية من وقت لآخر. بيد أن الشيء اللافت أن كوريا الجنوبية قد دفعت باتجاه الدخول في مباحثات مع كوريا الشمالية، وأن الأخيرة أبدت اهتماما بذلك، وإنْ كانت قد أرفقت ذلك، بشروط مسبقة غير واقعية، مثل وقف المناورات العسكرية الأميركية الكورية الجنوبية. مع ذلك، يتعين على المرء أن يكون متشككاً بشأن المحادثات المستقبلية مع النظام الكوري الشمالي، لأسباب ليس أقلها أن هذا النظام لا تتوافر لديه حوافز للتغيير. فعروض المساعدات، لم تؤد أبداً لتغيير سلوك ذلك النظام، كما أن استعراض القوة من جانب الولايات المتحدة كان له قيوده. بيد أن الأمر المؤكد، على رغم ذلك، أن النظام الكوري الشمالي يعاني الضعف والانكشاف المالي، وأن ممارسة الضغط المالي عليه قد أثبت جدواه في مرات سابقة، والأمر المرجح بل والأكثر ترجيحاً أن يتمكن ذلك الضغط- إذا ما مورس مجدداً- من خلق الظروف الملائمة للدخول في مفاوضات، على نحو أكثر فعالية من كافة الطرق التي جرُبت معه حتى الآن. ومطالبة النظام الكوري الشمالي برفع العقوبات المفروضة عليه حديثاً من قبل الأمم المتحدة، كشرط مسبق للمحادثات، يبين بشكل واضح مدى انكشافه المالي. كوريا الشمالية دولة محكومة بنظام عائلي يشبه إحدى جماعات الجريمة المنظمة، فموارد الدخل الرئيسية لهذا النظام تتم عبر الأنشطة غير المشروعة، مثل صادرات المواد والصواريخ النووية، وتجارة المخدرات والسجائر المقلدة، وتزييف الدولارات بغرض تصديرها للخارج؛ والعصابة كلها تدار بواسطة زعيم لا يرحم يحكم بالعنف، والاستغلال، والترهيب. ومن المعروف أننا إذا قمنا بسد شريان الحياة المالي عن أي مجموعة، فإنها ستتفتت حتماً أو تنفجر من الداخل. فالنقود تفعل كل شيء للنظام الكوري الشمالي. وعندما عدلت تلك الدولة منظومتها المالية عام 2009 فإن ذلك سبب لها اضطراباً شديداً، لدرجة أن حكومتها التي لم يعرف عنها أبداً الاعتراف علناً بالخطأ - تراجعت عن ذلك التعديل، وأعدمت الوزير المسؤول عنه. بالإضافة إلى العقوبات المالية التي تتضمن معاقبة المؤسسات المصرفية التي يقوم نظام بيونج يانج بغسل أمواله غير القانونية عن طريقها، مثل بنك "بانكو دلتا آسيا" في جزيرة مكاو، عن طريق منع الشركات والبنوك الأميركية من التعامل معها، ما يجبرها على تجميد الأموال الكورية الشمالية، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها، بالإضافة لذلك شن حملات على الأنشطة الأخرى غير المشروعة للنظام، مثل تجارة المخدرات وصادرات السجائر المقلدة، التي تعد من مصادر الدخل الكبيرة للنظام. على الرغم من أن أحداً لن يذرف دمعة إذا سقط نظام كوريا الشمالية نتيجة للضغط الذي يمكن ممارسته عليه، فإن هدف العقوبات، يجب ألا يكون إسقاط النظام، وإنما توفير حافز له للتصرف كنظام مسؤول، يلتزم بعقوبات الأمم المتحدة بشأن التطوير النووي والصاروخي، ويوقف قمع شعبه، وإقناعه أنه إذا التزم بكل ذلك، فإن المساعدات ستتدفق عليه، مقرونة بالاحترام. ------- جرانت نيوشام دبلوماسي أميركي سابق وعضو مجلس الأجندة الدولية للجريمة المنظمة بالمنتدى الاقتصادي العالمي -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"