ثلاثة أخبار جرت الأسبوع الماضي تجمعها أهميتها وتفرقها طبيعة كل منها، فقد تمّت تبرئة الرئيس المصري السابق حسني مبارك من أكثر التهم خطورةً وهي قتل المتظاهرين، ثم جاءت تفجيرات بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية لتخطف الأضواء الإعلامية، وتبعها بيومٍ الزلازل الكبير الذي وقع بإيران على الحدود مع باكستان وشعر به كثير من سكان دول الخليج العربي. ما جرى للرئيس المصري السابق في محاكمته، يؤكد العديد من الأفكار التي كانت تتناول ما يجري في العالم العربي بوصفه انتفاضات أو احتجاجات كبرى، ولكنّها لم تكن ثورات، فإدانته بوصفه رئيس دولة بقتل متظاهرين ضمن القانون هي مسألة مستعصية، ولو أمكن إدانته بذلك كان من الممكن إدانة الرئيس الحالي بنفس الجرم، خصوصاً حين تتمّ وسط استهداف مباشر للقضاء من المؤسسة التنفيذية التي أصبحت تحت سيطرة جماعة "الإخوان"، والتي حذر كاتب هذه السطور مسبقاً ومعه قلة من الكتاب حينذاك من أنها لابد أن تستهدف المؤسسة القضائية والإعلام والمؤسسات الدينية الرسمية كمؤسسة الفتوى ومؤسسة الأزهر، والزلازل السياسية في مصر أكبر وأكثر وأشهر من أن يتم تعديدها أو حصرها، ولقد سيّرت السلطة عبر جماعة "الإخوان" وحلفائها الأصوليين يوم الجمعة الماضي مظاهراتٍ ضدّ المؤسسة القضائية تحت شعار "تطهير القضاء". أما تفجيرات بوسطن، والتي كان وقعها أشبه بالزلزال، فإنها قد أثارت مخاوف عميقة لدى الأميركان كما لدى العالم العربي والإسلامي، فالكلّ تملّكته الخشية أن يكون تنظيم "القاعدة" لم يزل قادراً على الفعل والتأثير، وذهب الناس فيها كل مذهب، والواجب هو التأني والنظر إلى ماذا ستسفر التحقيقات، وإلى أين تؤدي الحقائق؟ ولئن ولج البعض في اتهام كوريا الشمالية فإن من السهل تذكر أن محمد حسنين هيكل كان قد بادر باتهام الصرب بتدبير أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كان تزامن التفجيرين، والتي تمّ الاعتقاد في حرارة الموقف بعلاقة تربطهما مع تفجير ثالثٍ في مكتبة جي إف كينيدي في بوسطن يوحي بعلاقة ما لهذا التنظيم بالحدث، ثم تمّ لاحقاً توضيح أن الثالث كان مجرد حريقٍ عادي. أعلنت السلطات الأميركية بعد توظيف كل إمكانياتها عن الاشتباه في شقيقين من الشيشان يعيشان في الولايات المتحدة الأميركية، قتل الأكبر منهما وتمّ اعتقال الأصغر، وهو ما يمكن أن يمنح القضية بعداً أفضل من خلال استجوابه ومعرفة أبعاد القضية وأهدافها ومن يقف وراءها؟ وسيكون من الواجب الانتظار حتى تخرج جهات التحقيق الحقائق المتعلقة بكامل تفاصيل القضية، بعيداً عن نظريات المؤامرة، التي لم تزل تهطل بكثافة ويتفنن كل منها في التشخيص والتحليل. لقد بدا العالم مأسوراً ومحاصراً بما تنقله وسائل الإعلام من تفجيرات بوسطن وما تلاها من حريق في مكتبة جي إف كنيدي وانفجار ضخمٍ في مصنع أسمدة في تكساس وطرود مشبوهة ترسل للبيت الأبيض وسياسيين أميركيين، وهل ثمة رابط بينها أم لا؟ والأفضل دائماً هو أن تظل الأسئلة عقلانية وواقعية حتى تخرج النتائج النهائية. أما زلزال إيران فإنه يفتح جدلاً لم تزل دول الخليج العربي تطرحه من حجم تخوّفها البيئي من تأثيرات مشروع إيران النووي عليها، فإيران تقع في منطقة زلازل معروفة، وتأثيراتها تصل لعمق دول الخليج، ومفاعلها بوشهر يقع على ضفاف الخليج وليس قصياً مثل منبع هذا الزلزال. إن الملف البيئي الذي تؤكد عليه دائماً دول الخليج العربي في صراعها مع إيران ملف جدير بكل العناية والرعاية، ويجب أن تعلق حوله الأجراس في كل المحافل الدولية، فإيران تحت العقوبات الدولية الصارمة ستقصّر راغمة في توفير الوقاية الكافية والضرورية لمفاعلاتها النووية، ومفاعل بوشهر تحديداً هو أقرب إلى دول الخليج العربي منه إلى العاصمة طهران. ثمة عوامل ثلاثةٍ تستنزف الموارد الإيرانية أولها: إصرارها على المشروع النووي وتطوير قدراتها العسكرية، والثاني: سيطرة إرادة بسط النفوذ على سياساتها تجاه المنطقة والدول العربية تحديداً في العراق وسوريا كما في لبنان وغزة واليمن، والثالث: قناعتها الراسخة أن شعارات الأيديولوجيا قادرة دائماً على التغطية على فشل السياسات. إن كل واحدٍ من هذه العوامل الثلاثة وبخاصةٍ العاملين الأولين يحتاج كثيراً من الإنفاق المستمر والمتنامي، والذي تقابله عقوباتٍ دوليةٍ تتصاعد وتشدد وهي تقلل من قدرات إيران على الاستمرار في ذات النهج إلا بالتقليل من الإجراءات التي قد تراها غير ضرورية، وينبغي أن تقتر الإنفاق عليها مثل التقليل من صرامة الإجراءات التي تضمن حماية منشآتها النووية من إحداث أي أخطار بيئية لن تكون مقصورةً بحالٍ على إيران. الكوارث الكونية الكبرى كالزلازل تذكر البشر على الدوام أنها لا تعترف بحدود الدول، ولا تقيم شأنا لاختلافات السياسة وصراعات المصالح وافتراقات الآيديولوجيا، وهي حين تضرب فإن أضرارها تصل الجميع وإنما تفترق الأطراف التي يطالها تأثيرها في مدى القدرات التقنية والفنية، التي توفرها لبناها التحتية ومواطنيها. في الكوارث الطبيعية ليس على الدول والشعوب إلا التعامل معها ومحاولة تحسين ظروف توقعها والتقليل من أضرارها، ولكن الكوارث البيئية التي تكون من صنع البشر وسياسات الدول كالمفاعلات النووية ليست كذلك، فهي يجب أن تخضع دائماً لتوافق سياسي تراعي فيه الأطراف الأضرار المحتملة وتسعى لتجنبها. إن زلازل السياسة، لم تزل تضرب بقوة في دول الاحتجاجات العربية، وتنشر الفوضى، وتزيد من كثافة الضباب والعوائق في أي بحث عن مستقبل أفضل في تونس ومصر، وها نحن نرى حجم المأساة القائمة في سوريا والخراب والتدمير الممنهج والمستمر، الذي يقوم به نظام شرس تجاه شعبٍ أعزلٍ لا يملك من مصيره شيئاً، وهي تصنع الأمر ذاته في اليمن، وكأن زلازل السياسة الداخلية وصراعات الفرقاء ليست كافيةً حتى تأتيه الزلازل من تدخلات الخارج وتحديداً إيران التي تتبع سياسات، عبّر الرئيس اليمني عن امتعاضه الشديد تجاهها. أخيراً، يبدو أن على الجميع التعايش مع زلازل السياسية فضلاً عن زلازل الجيوفيزياء في منطقة لم تزل تحفل بالاضطرابات وصراعات القوى الدولية والإقليمية.