بالرغم من أن مصير النظام السوري يُشكل القضية الأولى في الصراع والحرب والمعركة الدائرة في عموم بلاد الشام، فإن بعض القضايا، التي قد يعتبرها البعض فرعية وهامشية، لا تقل خطورة وقابلية انفجار .. عن سقوط النظام نفسه. راغدة درغام كتبت عن "الأميركيون أبلغوا الأردن أن عليه أن يتوقع إقامة طويلة للاجئين في أراضيه، ذلك أن المعركة على سوريا ستكون طويلة. وحتى لو كانت المعركة أقصر، فما تركته الحرب من تدمير للبيوت داخل سوريا سيتطلب سنوات لإعادة بنائها، ولإعادة تأهيل اللاجئين فيها. هناك داخل سوريا الآن 4 ملايين مشرد، وهناك خارج سوريا حالياً مليونا لاجئ .. يوجد في سوريا اليوم مليون ومائتا ألف بيت مدمر، إما كلياً أو جزئياً، تحتاج إلى 22 بليون دولار لإعادة بنائها، وما لا يقل عن خمس سنوات - في أفضل الحالات - لإعادة البناء. فيما يتعلق بلبنان الذي يتدفق إليه اللاجئون السوريون، ومن المتوقع أن يتدفقوا إليه بأرقام هائلة إذا وقعت معركة دمشق، إذ إنه المنفذ الوحيد منها، إن السؤال العلمي هو: هل في وسع لبنان أن يتحمل الاعتناء بما يفوق مليون لاجئ في أراضيه، يؤمن له المسكن والطعام والتعليم لمدة خمس أو عشر سنوات؟". مشكلة اللاجئين السوريين ليست محصورة بالإيواء والغذاء. ففي بعض الدول، كلبنان مثلاً، يشغل السوريون القادمون من المدن والمناطق المدمرة والمهددة، الكثير من الأعمال والمهن مقابل أجور أدنى .. أو يعمدون إلى تأسيس المطاعم والمحال بعمالة سورية في الغالب، وبذلك تتفاقم مشكلة البطالة بين اللبنانيين من مهنيين ورجال أعمال. ويثير وجود اللاجئين السوريين أحياناً مشاكل طائفية في لبنان ومشاكل سياسية في الأردن. كما ثارت في الآونة الأخيرة مشاكل اجتماعية، بخاصة ما برز في الإعلام والإنترنت حول زواج الفتيات السوريات القاصرات، أو إجبارهن على الزواج. ولا شك أن بعض هذه الظواهر والمشاكل عرضة للتضخيم الإعلامي والمبالغة بسبب الاستقطابات السياسية والمذهبية، ولكن لا أحد ينفي وجود مشاكل حقيقية متوقعة، من لجوء مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال إلى أي دولة في العالم. خلال السنة الأولى من الحرب، يقول الصحفي البارز "سليم نصار" : "قدرت إسرائيل أن الثوار سيهزمون قوات الأسد في مدة أقصاها سنة واحدة. وبدلاً من وصول الفريقين - في سوريا - إلى حسم نهائي نشأ وضع من الشلل المتبادل. والثوار حالياً يسيطرون على مساحة لا تقل عن 75 في المئة من أراضي الدولة، بينما قوات الأسد تسيطر على المواقع المهمة من دمشق وحلب وحمص والمنطقة العَلَوية في شمال غربي البلاد". والآن، كيف تؤقلم إسرائيل سياساتها مع العرب وتركيا مع صعود الإسلام السياسي المناهض تقليدياً لها، وتسلمه الحكم بعد انتفاضات "الربيع العربي"؟ وهل ستذهب الأمور إلى مزيد من الصدامات، أم أن قواعد لعبة جديدة قد بدأت تترسخ؟ هذه الأسئلة طرحها محللان في مجلة "لوموند ديبلوماتيك"، في فبراير 2013. ولا يسهل على إسرائيل التوصل إلى خطوط واضحة في تفاصيل هذا الوضع. وتبدو مصر غامضة بعد مبارك، يصعب التنبؤ بالمسارات التي ستسلكها. وقد تبددت آمال إسرائيل في أن تبقى مصر تحت الحكم العسكري، وأثبتت الاستجابة المترددة للحكومة المصرية في سبتمبر 2011، عندما تمكن موظفو السفارة الإسرائيلية بصعوبة تجنب الإعدام الغوغائي، «أن القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية المصرية لم تعد بالصلابة ذاتها». أما الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي حملت الإخوان والسلف إلى مواقع القرار أو التأثير الشديد فيه، فإنها أنذرت إسرائيل، تقول المجلة الفرنسية، «بمستقبل أكثر سواداً مما كانت تتصور». ولكن تخبط سياسات "الربيع العربي" والثورة السورية إزاء الطوائف الدينية والعرقية قد تخفف من مخاوف إسرائيل. فقد أعلنت عن فتح مستشفى ميداني على الحدود السورية، شمالي هضبة الجولان. وكان ذلك نتيجة تسلل مقاتلين أصيبوا في المعارك لتلقي العلاج. وتحاول إسرائيل نشر حزام أمني خشية حدوث خروقات يهدد الدروز بافتعالها. ووفقاً لصحيفة "معاريف"، يقول سليم نصار في الحياة، "فإن مئات من الجنود الدروز الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي طلبوا الدخول إلى سوريا من أجل الدفاع عن أشقائهم الدروز الذين تعرضوا لاعتداءات جبهة النصرة". ولم تعد سوريا تمثل خطراً مباشراً على إسرائيل، "والسبب أن الجيش النظامي السوري تعرض لتحولات جذرية خلال السنتين الماضيتين، فقد قُتل منه أكثر من 13 ألف جندي، وانشق من الوحدات العسكرية أكثر من أربعين ألف جندي. ويقول العقيد "أوهيد نجمة"، إن العدو الأول بالنسبة إلى جيش الدفاع، أصبح لبنانياً". ولم تترك الجماعات الجهادية، خاصة «جبهة النصرة» مجالاً للتخمين حول هويتها وارتباطاتها الحقيقية. فقد «أعلن أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي، أمير ما يعرف بدولة العراق الإسلامية، عن اتحاد تنظيم القاعدة في العراق وجبهة النصرة في القتال ضد نظام بشار . ولا شك أن مثل هذا الإعلان الاندماجي بين "جبهة النصرة" و"قاعدة العراق" ومبايعة الظواهري، بمثابة كارثة حقيقية على الصعيد الإعلامي والدولي للثورة السورية، ودعم أكيد للإعلام السوري الرسمي الذي كان يؤكد أن سوريا «تتعرض لهجوم إرهابي من القاعدة»! وها هي جبهة النصرة والقاعدة تؤكدان صحة التصريحات الرسمية! ولا شك أن نفوذ قُوى الإسلاميين المتطرفين والجهاديين وتنظيم "القاعدة" في بعض مناطق سورية يثير قلق دول الغرب والولايات المتحدة إلى أقصى حد. ويقول النائب الجمهوري مايك روجرز: «أشعر بقلق كبير من عدد عناصر تنظيم «القاعدة» و«حزب الله» وربما «حماس» الذين يشاركون في القتال. فإذا انهارت حكومة بشار بسرعة، تسقط سوريا في حالة من الفوضى لن تؤدي إلى انتشار الأسلحة الكيماوية فحسب في أرجاء الهلال الخصيب المختلفة، بل أيضاً الأسلحة المتطورة التي قدمتها روسيا للأسد». ويشير«خالد غزال» في مقال بعنوان «آفاق مسدودة في وجه المعاناة السورية» إلى إصرار النظام «على تدمير سوريا بشراً وحجراً. ويضيف: «لم يعرف التاريخ نظاماً سياسياً تصرف مع شعبه بالوحشية التي يقودها النظام السوري ضد هذا الشعب». ولا تنحصر مشكلة الثورة بالتلاعب الدولي والإقليمي بالمسألة السورية فحسب، بل هناك واقع المعارضة السورية ومعضلتها الداخلية وصلتها بالخارج، فلا شك في أن هذه المعارضة «تعاني ارتباكاً منذ تأسيسها، وتحمل من التناقضات أكثر بكثير من نقاط الالتقاء .. وبات كل طرف إقليمي يمد يده إلى قسم من هذه المعارضة». ويقف غزال عند «الدور الخطر الذي يلعبه تنظيم الإخوان المسلمين في الهيمنة على المعارضة وقراراتها، وفي الكشف عن برنامجهم الحقيقي المقبل لسوريا بعد إسقاط النظام». من ناحية أخرى، يتحدث كل المعنيين بالصراع عن اقتراب «معركة دمشق الكبرى»، واحتمال تدهور الأوضاع وسقوط النظام، بما في ذلك هيمنة واسعة أو محدودة لتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية على كل أو بعض سوريا. أو ربما تقسيمها بينهم .. وبين الإخوان المسلمين! أنصار الثورة من مدنيين وعسكريين يستبعدون مثل هذه الاحتمالات، وكما عبّرت إحدى المشاركات في الانتفاضة: «لا يرغمنا أحد على شيء، ولن يتمكنوا من ذلك، فقد ناضلنا في سبيل حريتنا».