هل يستطيع أحد توضيح سياسة أوباما تجاه سوريا؟ الحقيقة أن هذا السؤال يفرض نفسه بعد مشاهدة مسؤولين بارزين في وزارة الخارجية يوم الخميس الماضي يحاولان إلقاء الضوء على تلك السياسة في جلسة استماع نظمتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ واختلطت فيها الأمور عليَّ، ولست الوحيدة في ذلك، بل لقد شاركني هذا الشعور أعضاء اللجنة من الحزبين الذين لم يفهموا من الشهادة شيئاً كثيراً لتضارب التصريحات. فقد كرر السفير الأميركي لدى سوريا، روبرت فورد، شعار الإدارة الأزلي أن "الحل السياسي المتفاوض عليه وحده قادر على تأمين تسوية دائمة" للنزاع. ودون اتفاق سياسي قال السفير "سيواصل الموالون للنظام حربهم حتى آخر لحظة". ولكن "فورد" لم يوضح كيف تستقيم استراتيجية الحل السياسي التي ينادي بها مع مطلب أوباما بتنحي الأسد وخروجه من السلطة، وهذا الأخير ما زالت قواته تسيطر على السماء, من خلال سلاح الجو وتحتكر المدفعية الثقيلة وصواريخ "سكود" التي تستخدمها لقصف المعارضة. وعلى حد قول جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية, فإن "الأسد يعتقد أن له يد الطولى في الصراع"، وهو ما رد عليه "روبرت مينديز"، العضو في لجنة العلاقات الخارجية قائلاً "ما لم نغير دينامية الصراع سيواصل الأسد اعتقاده بأنه قادر على البقاء في السلطة". غير أن جلسة الاستماع، على رغم تبادل الآراء المختلفة لم توضح كيف يخطط المسؤولون الأميركيون لترجيح كفة الصراع لمصلحة المعارضة. فعلى مدار السنتين الماضيتين من اندلاع الثورة السورية انخرطت الإدارة الأميركية دون جدوى في إقناع بوتين بالضغط على الأسد ودفعه للتنحي، وهو ما أكدته إليزابيث جونز، وكيلة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، التي قالت إن تلك الجهود لم تتوقف، وإن المحاولات الأميركية لاستمالة روسيا للموقف الغربي ما زالت متواصلة، ولكن عندما سُئلت عن الأشياء التي ستدفع روسيا لتغيير موقفها ردت بأنه "من الصعب معرفة ذلك على وجه الدقة، فنحن نمضي وقتاً مديداً مع المسؤولين الروس في محاولة لإقناعهم بتغيير موقفهم من الأزمة السورية، ولكننا لم نستطع تحويل رأيهم، وإقناعهم بضرورة التحرك العاجل لوقف الأزمة قبل أن تستفحل ويراق المزيد من الدماء". والحقيقة أن المحاولات الأميركية مع روسيا عديمة الجدوى، ولن تنتهي إلى نتيجة مرْضية ما لم يرَ بوتين والمسؤولون الروس أن الأسد بدأ يفقد السيطرة، وأنه سيسقط لا محالة، الأمر الذي لم يتأكد منه الروس بعد، ولاسيما في ظل التردد الأميركي ورفض تسليح المعارضة وإصرار الإدارة، أو بعض أركانها على الأقل، على الحل السياسي المتفاوض عليه، فقد عاد فورد وجونز ليشددا على الموقف الأميركي التقليدي الرافض لتقديم السلاح للثوار، مقتصرين فقط على المساعدات غير الفتاكة وتقديمها إلى الجماعات غير الإسلامية التي تحارب نظام الأسد، في حين تتلقى الجماعات الأخرى أسلحة وذخائر من دول عربية، وحتى في الحالات التي تحصل فيها مجموعات غير إسلامية في سوريا على السلاح من بلدان أخرى فإنها تقتصر فقط على الأسلحة الخفيفة التي لا تستطيع مواجهة صواريخ النظام وطائراته. وعلى رغم المخاوف التي تنتاب المسؤولين الغربيين والأميركيين من وقوع الأسلحة الثقيلة، ولاسيما تلك المضادة للطائرات والمحمولة على الكتف، في أيدي الجماعات المتشددة، إلا أن السفير "فورد" نفسه أشار إلى آلية المراقبة والرصد التي تخضع لها الجماعات المستفيدة من التسليح قبل وصوله إليها، بل أكد أنه صار بالإمكان الاتصال ببعض القادة العسكريين في الميدان، قائلاً "نحن اليوم نعرف الكثير عن المعارضة المسلحة مقارنة بما كان قبل شهور، ونستطيع تأكيد أن هناك عدداً من الأشخاص الجيدين الذين يمكن التعامل معهم". والسؤال هنا: إذا كانت المعارضة معروفة فلماذا إذن لا تزود بالأسلحة؟ خاصة أن الطريق الوحيد لفك الجمود في الميدان هو بحرمان الأسد من الهيمنة على الجو. ولقد كان غريباً أن يصرح السفير "فورد" بأن الولايات المتحدة توفر دعماً غير فتاك للمعارضة مثل المساعدات الطبية والدروع المصفحة الواقية من الرصاص والغذاء حتى "لا تستميل الجماعات المتشددة المجندين الجدد". والحال أن المتطوعين الذين انضموا للمعارضة لن تبهرهم، حسب السيناتور جون ماكين، المساعدات الأميركية ولن تفيدهم الدروع المصفحة في اتقاء صواريخ "سكود" التي يضربهم بها نظام الأسد، والأكيد أن المساعدات غير الفتاكة لن ترجح كفة المعارضة، ولن تقنع الأسد بالتخلي عن السلطة والذهاب إلى المنفى. ومع أن "فورد" سفير متميز ويعرف دواخل الأزمة السورية، حيث صرح بنفسه أن "الصراع اليوم قائم بين المتشددين في المعارضة والمعتدلين"، إلا أنه لا يدرك على ما يبدو أن عدم مساعدة المعتدلين يقوي شوكة الجماعات المتشددة، كما يغذي نظريات المؤامرة التي تقول إن الولايات المتحدة لا تريد سقوط النظام، بل متواطئة معه. وأكثر من ذلك أن التردد الأميركي لم يقتصر على المعارضة المسلحة، بل امتد إلى المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، فقد ظلت وزارة الخارجية لفترة طويلة متحفظة إزاء تسليم المساعدات الإنسانية لائتلاف المعارضة السوري، ولم تقم بذلك إلا مؤخراً بعد تنامي الانقسام داخل الائتلاف بين جناحيه العلماني والإسلامي، هذا ناهيك عن تردد البيت الأبيض حتى اللحظة في الاعتراف بالائتلاف الوطني ممثلاً للشعب السوري مخافة تزويده بالسلاح، ولذا من الصعب الاختلاف مع ما قاله كل من السيناتور "بوب كروكر"، و"آر تين" من أنه "لا توجد لدينا فكرة واضحة حول الطريق التي يريد أوباما سلوكها في سوريا، إذ يبدو أننا نستيقظ صباحاً لتفرض علينا التطورات في سوريا الإجراءات التي نقوم بها". -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"