بقراره العودة إلى باكستان من أجل التنافس في الانتخابات، قد يكون الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف قلل من شأن حجم المشاكل القانونية التي سيواجهها قبل أن تتسنى له إمكانية المشاركة في الانتخابات العامة المزمع إجراؤها الشهر المقبل في باكستان. فمنذ عودته إلى البلاد، يواجه الجنرال السابق العقبة تلو الأخرى من جهات مختلفة في مسعاه إلى العودة إلى النظام السياسي في البلاد. ومنذ أن ذهب إلى المنفى قبل أربع سنوات ونصف السنة، عاش مشرف معظم وقته في لندن. وكان قرار عودته إلى البلاد من أجل المشاركة في الانتخابات قد لقي دفعة قوية في البداية، عندما منحته محكمة باكستانية "كفالة وقائية"، وهو ما يعني بالأساس أنه لن يتعرض للتوقيف مباشرة لمدة ثلاثة أشهر على الأقل على خلفية قضايا مرفوعة ضده. ولكن حتى الآن يبدو أن الطريق أمامه وعر وشاق، وفي الوقت الراهن، يسعى مشرف جاهداً إلى تلميع صورته، بعد أن عاش في المنفى أربعة أعوام ونصف العام، وإقناع الناس بأنهم سيجدونه فيه ما يلزم لدفع البلاد إلى الأمام. مشرف قام بتقديم أوراق ترشيحه من أجل المشاركة في الانتخابات في أربع دوائر انتخابية. ولكن ضباط الانتخابات في ثلاث دوائر انتخابية هي كراتشي، وإسلام آباد، وقصور في إقليم البنجاب الباكستاني، رفضوا أوراق ترشيحه بشكل فوري بسبب قيامه بتعليق دستور البلاد، عندما كان في السلطة وقراره تنحية عشرات القضاة بشكل غير قانوني. ولم يقبل أوراق ترشيحه للمشاركة في الانتخابات سوى ضابط انتخابات واحد، مكلف بالمقعد البرلماني لمدينة "تشيترال" في معبر خيبر. ولكن ذلك القرار سرعان ما ألغي هو الآخر، بعد أن ذهب عدد من المحامين في بيشاور إلى المحكمة مطالبين برفض ترشيحه؛ حيث حكمت محكمة الاستئناف بوجود عيوب إجرائية في أوراق ترشيح مشرف تبرر إقصاءه. ورغم أنه استأنف حكم رفض ترشيحه في أعلى محكمة في البلاد، فإن فرص فوزه في الاستئناف تبدو ضئيلة. وبشكل عام، يبدو من الصعب على نحو متزايد أن يقوم برويز مشرف بحملة انتخابية ناجحة لعودته السياسية، بالنظر إلى متاعبه القانونية الكثيرة، إضافة إلى التهديدات التي يتلقاها من "طالبان". وكان مشرف قد وصل إلى السلطة للمرة الأولى عبر انقلاب على رئيس الوزراء نواز شريف في 1999، ولكنه اضطر للتنحي في 2008 في أعقاب احتجاجات عمت مختلف أرجاء البلاد. ثم هناك أيضاً قضية خيانة رفعت ضده في محكمة أخرى، وتتعلق بالفترة في 2007 عندما قام بفرض قانون الطوارئ في باكستان وأمر بتوقيف قضاة، وهي خطوة أتت بنتيجة عكسية لأنها أدت في نهاية المطاف إلى مغادرته باكستان. ومن المتوقع أن تصل هذه القضية إلى المحكمة العليا الباكستانية في وقت لاحق من هذا الشهر. والواقع أن هناك أسئلة كثيرة بشأن الدافع الحقيقي وراء عودة مشرف. فالبعض يعتقد أنه عاد لأن المؤسسة العسكرية أرادته أن يعود، وهذا ما يفسر توفير إجراءات أمنية مشددة له من قبل الجيش، كما يقول هذا الفريق. وتأتي عودة مشرف إلى باكستان عقب تعبئة للجماهير من قبل الشيخ طاهر القادري، وهو رجل دين باكستاني مقيم في كندا، يقود حملة ضد الفساد، وضعت حكومة آصف زرداري المدنية في قفص الاتهام. ويرى الكثيرون بصمات الجيش في هذه الحركة، ولكن الجيش حتى الآن ينفي أي علاقة بطاهر القادري وحركته. والواقع أن أشفق كياني رئيس أركان الجيش الباكستاني، وخلافاً لمن سبقوه، يحرص حرصاً شديداً على تطوير صورة جديدة للجيش تتمثل في تقديمه بمظهر الجيش المحترف، الذي لا يتدخل في السياسة، ولكن الحقيقة هي أن الجيش الباكستاني مازال هو أقوى مؤسسة في البلاد. وعلى رغم أن حكومة حزب "الشعب" الباكستاني المدنية بقيادة زرداري تُعد الأولى على الإطلاق في تاريخ باكستان، التي تتمكن من إتمام ولاية كاملة من خمس سنوات، إلا أنه ليس سراً أنها تواجه جملة من المشاكل المتعلقة بالحكامة أمام تباطؤ الاقتصاد، وتنامي الفصائل المتطرفة، وتوتر العلاقات مع واشنطن. والواقع أن حتى القيادة العسكرية تشعر بأن الحكومة المدنية فشلت في التعاطي مع التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلاد. ومع اقتراب موعد الانتخابات، ونشاط القضاء، وصعود نجم عمران خان لاعب الكريكيت الذي تحول إلى نجم سياسي ، ودخول رجل دين باكستاني- كندي لديه القدرة على حشد جموع غفيرة على الخط، وموالاة إقليمي البنجاب والسند لحزبي نواز شريف وآصف زرداري على التوالي، وانقسام إقليم الحدود الشمالية الغربية بسبب الخلافات الطائفية، والخسارة الكبيرة في الأرواح والممتلكات عبر القصف الدائم من قبل طائرات أميركية دون طيار، ومعاناة كراتشي، التي تعد أكبر مدينة اقتصادية، من الصراع الطائفي، فإن إمكانية أن تفضي الانتخابات العامة إلى "برلمان معلق"، لا يملك فيه أي حزب الأغلبية، تعتبر واردة جداً. بيد أن الاختبار الحقيقي بالنسبة لباكستان هو ذاك الذي سيأتي في الحادي عشر من مايو المقبل، عندما يتوجه الباكستانيون إلى مكاتب التصويت؛ فمما لا شك فيه الآن أن تحدياً سياسياً كبيراً ينتظر باكستان التي سيقرر ناخبوها الـ85 مليوناً مصير بلدهم، تحت مراقبة الجيش الباكستاني.