في الثالث عشر من أبريل الحالي، طار وزير الخارجية الأميركي، كيري، للعاصمة الصينية بكين للتشاور مع قادة هذا البلد بشأن الكيفية التي يمكن بها التعامل مع التهديدات الأخيرة الصادرة عن كوريا الشمالية. وزيارة كيري، كما يرى الكثير من المراقبين، تؤشر على أن قادة الصين الجدد قد باتوا يؤمنون الآن بأن سلوك أصدقائهم في بيونج يانج ينطوي على مخاطر جمة محتملة، وأن هناك حاجة بالتالي لنزع فتيل الأزمة. ليس هناك ما يدعو للدهشة في هذا الشأن. فآخر ما تحتاج إليه الصين في هذه النقطة من الزمن هو حدوث أزمة دولية، يمكن أن تخرج عن حدود السيطرة، وتقود إلى نوع من المواجهة العسكرية التي لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تنتهي إليه. فالتأثير الأولي لمثل هذا التطور- وقوع أزمة دولية- هو حدوث حالة من الهلع في الأسواق المالية تؤدي إلى كبح النمو الاقتصادي العالمي- وفي الصين بالطبع. ومن المعروف أن نسبة نمو الصين في الوقت الراهن تقل كثيراً عن 10 في المئة سنوياً، وهي النسبة التي تعتبرها الحد الأدنى لضمان استمرار القدرة على توفير الوظائف للعاطلين، وتحقيق قدر نسبي من التناغم الداخلي. كذلك، فإن فرض أي قيود إضافية على نمو الصين، سوف يكون له من دون أدنى شك تأثير سلبي على معظم الأسواق الأجنبية. وينطبق هذا بشكل خاص على أسواق السلع والمواد الخام التي أدى استمرار الطلب عليها إلى تحقيق فوائد جمة للدول المصدرة الكبرى، بما فيها تلك التي تبيع أنواع الوقود الاحفوري والمعادن، والآلات، والسلع الغذائية، والسلع الفاخرة. وكما سبق لكاتب هذه السطور أن رأى من قبل، فإن الاستعداد الصيني المستمر لدعم نظام كوريا الشمالية من دون إحداث تغيير في سلوكه، ومن دون اتخاذ أي إجراء لإثنائه عن تطوير أسلحة نووية، سوف يؤدي لزيادة الضغط على كوريا الجنوبية واليابان، ويدفعهما لإعادة تقييم موقفهما الخاص بالامتناع عن التحول لقوى نووية. يرى بعض المحللين أن العناوين الرئيسية اليومية حول مخاطر المغامرات العسكرية التي قد يقدم عليها نظام بيونج يانج ضد جيرانه الجنوبيين والولايات المتحدة، تنطوي على قدر كبير من المبالغة، لأن ذلك النظام في حقيقة الأمر، يعاني مشكلات داخلية ضخمة، ومن اقتصاد ضعيف، وهو ما يدفعه لشن تلك الهجمات الكلامية على أعدائه، كي يبقي شعبه سلبياً ومهتماً بالدرجة الأولى ببقاء الدولة الوطنية ذاتها، بدلاً من التركيز على تحسين أحواله المعيشية المتدهورة، وهو ما تتشوق الغالبية العظمى من ذلك الشعب لتحقيقه. ونظراً لزيادة أعداد الهواتف النقالة في كوريا الشمالية، بل وإمكانية الدخول المحدود على شبكة الإنترنت، فإن أعداداً تتزايد باستمرار من المواطنين الكوريين الشماليين، باتوا يدركون الآن أنهم يعيشون في سجن كبير، وليس في جنة اشتراكية كما تقول قيادتهم، والتي يزداد انتقادهم لها، وهو شيء لم يكن وارداً من قبل. وما لم يتم كبح هذا الوعي الجديد، فإنه يمكن أن يقود إلى ثورة داخلية، بل ويمكن أن يؤدي أيضاً لقلب نظام الحكم. لذلك السبب يجد النظام الكوري الشمالي تحت قيادة زعيمه الشاب غير المجرب نفسه مضطراً للقيام بكل ما يمكنه القيام به من جهد لخلق حالة من هيستيريا الحرب، بهدف إبقاء الشعب في حالة حشد، واستعداد للدخول في صراع مع العالم الخارجي. المشكلة هي أنه حتى مع افتراض أن هذه الرؤية الأكثر إيجابية للدوافع الكورية الشمالية، هي رؤية صحيحة، فإنها لا تستبعد تماماً احتمال حدوث خطأ في الحسابات العسكرية من جانب نظام بيونج يانج، يمكن أن يؤدي لإشعال نار صراع. فإطلاق صاروخ كوري شمالي بهدف الاستعراض، وإبراز المكانة، كما يفترض أصحاب هذه الرؤية، يمكن أن يضل طريقه، ويصيب أهدافاً كورية جنوبية أو يابانية بالمصادفة. وإذا ما ترتب على ذلك وقوع خسائر مادية وبشرية، فإن زعيمي البلدين في سيؤول وطوكيو سوف يجدان نفسيهما تحت ضغط شديد يدفعهما لرد قوي على التعدي الكوري الشمالي، يمكن أن يصل إلى حد القيام بتوجيه ضربات عسكرية لكبح ذلك النظام ومنعه من التمادي في عدوانه. وفي مثل هذه الحالة، فإن الأحداث يمكن أن تتصاعد بسهولة، وتقود إلى أزمة خطيرة يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة. الصين بحاجة للاستمرار في التشاور مع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية لمحاولة صياغة اتفاق يؤدي لنزع فتيل الأزمة الحالية من ناحية، ويمكن أن يشكل ضغطاً على كوريا الشمالية من ناحية أخرى يدفعها لتجميد برنامجها النووي والصاروخي. ويجب أن يكون القادة الصينيون مستعدين للقبول بفرض عقوبات على النظام الكوري الشمالي أكثر صرامة من تلك التي كانوا مستعدين لفرضها في الماضي. ولإقناع الصين باتخاذ مثل تلك الخطوات، سوف يتطلب الأمر توجيه رسالة واضحة من الولايات المتحدة للصين تفيد بأنها ستقوم في نهاية المطاف بتقليص وجودها العسكري القوي في شبه الجزيرة الكورية، وأنها لن تمضي قدماً في استخدام نظام دفاعي مضاد للصواريخ يمكن- نظرياً- نشره ضد أهداف صينية، بالإضافة بالطبع إلى الأهداف الكورية الشمالية. والصين لديها القدرة على أن تكون لاعباً رئيسياً في حل الأزمة الحالية، لكن السؤال المتعلق برغبة قيادتها الجديدة التي تتلمس طريقها في التعامل مع هموم داخلية متعددة تشمل الاقتصاد والفساد، في القيام بذلك الدور، يظل سؤالاً معلقاً حتى الآن. إن فشل الدبلوماسية الصينية في هذه النقطة من الزمن سوف يكون مزعجاً للمنطقة بأسرها، كما يمكن أن يقوض الثقة في أن القيادة الجديدة في بكين تدرك مسؤوليتها الحقيقية أمام المجتمع الدولي.