لفتت نظري في الأيام الماضية دراسة نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» (8-4-2013) تتعلق بالسباق المحموم بين الولايات المتحدة واليابان في مجال التعليم، حيث ترسم الدراسة صورة هذا التنافس والشكل الذي تصنع من خلاله الدول الكبرى ثقافتها التعليمية، وتشير إلى أن الاختلاف بين المدرستين في منظومة التعليم هو السر الذي لعب دوراً مؤثراً في صناعة السباق نحو القمة، فالتفاوت في المناهج التعليمية في الولايات المتحدة بين ولاية وأخرى، وعدم إدماجه في إطار واحد يدرسه الجميع، أفرز آثاراً سلبية على المجتمع الأميركي ونظامه التعليمي، وانعكس ذلك بصورة واضحة على مخرجات التعليم وعلى ترتيب الولايات المتحدة في سباقها العالمي نحو التفوق، عكس ما يحدث في المدرسة اليابانية التي أدرجت المناهج الوطنية في إطار موحد يدرسه الجميع، حيث جعلها ذلك قادرة على أن تعرف الكم التعليمي الذي يحتاجه كل طالب لكي يصبح قادراً على دفع اليابان نحو التنافس والتفوق العالمي، وأيضاً التعرف على الثغرات التي قد تنتج في نظامها التعليمي وعلى الأخص المناهج، ونجد ما يشابه ذلك أيضاً في التجربة الفنلندية التي تعتبر حالياً الأولى في مجال التعلم على مستوى العالم، خاصة في مجال الرياضيات والعلوم، فالتجربة الفنلندية تجربة ذاتية ثرية ووطنية صرفة إذ اعتمدت في انتقالها السريع في ظرف عشرين سنة من أسفل الهرم التعليمي في العالم إلى قمته، اعتماداً على التعليم الحكومي والمنهج الوطني واللغة الفلندية... ووظفت كل التجارب الناجحة في العالم لخدمة مثل هذا الهدف الذي أصبحت تتميز به، وحقق لها ثروة مادية هائلة، فهي ليس لديها تعليم خاص أو أجنبي أو دولي أو مختلط، بل كانت ركيزتها في التفوق التعليمي المنهج الحكومي واللغة الوطنية. والسؤال هنا: لماذا نجح الآخرون في صناعة تعليم متميز في ظرف سنوات قليلة وبأقل تكلفة مادية، بينما لم تنجح الدول العربية في إيجاد منهج تعليمي متميز ينافس تلك المناهج والنماذج ويصبح قابلاً للتصدير، رغم محاولات الإصلاح التي بدأت في العالم العربي منذ عقود عدة، ورغم مشروعات التطوير التعليمي والخطاب التربوي والإعلامي الذي يبشر في كل مرحلة بالتفوق القادم، حيث انتهى كل ذلك إلى حالة من الفشل، وأصبح العرب يقتاتون معرفتهم التعليمية من موائد الآخرين؟ قد يكون لذلك الكثير من الأسباب، لكني أتوقف هنا عند بعضها فقط: 1- افتقار كثير من الدول العربية للمشروع الوطني الواضح الذي يحقق تلك الأهداف ذات الاستراتيجية البعيدة. 2- سياسة التعليم التي ترتكز في عالمنا العربي على الإدارة الفردية، حيث يقوم كل وزير للتربية بشطب ما قبله وكأنه يبدأ من الصفر. وقد ذكر خبير التربية الدكتور سعيد إسماعيل تشابهاً كبيراً بين أول تقرير لتطوير التعليم في مصر عام 1880، وبين مشروعات تطوير التعليم لعام 2013. 3- ترك الباب مفتوحاً لأنواع مختلفة من المناهج والمؤسسات التعليمية الأجنبية والمختلطة التي تخضع الطالب لنظام منهجي وثقافي وسلوكي دون فلترة دقيقة لما تحتوي عليه تلك المناهج وتأثيرها على الطالب. 4- مشروعات تطوير التعليم المتناثرة، والتي ليس لها علاقة بإحداث تأثير جوهري في جسم التعليم الحكومي. 5- غياب الحاسة التاريخية المؤدية إلى تقوية الانتماء الوطني في مشاريع تطوير التعليم، حيث أصبحت مادة التاريخ هامشية في الجدول التعليمي. 6- غياب تشجيع الإبداع الذي يعين على خلق الاستقلال الذاتي، ويشجع على بناء الهوية الوطنية وتثبيت أركانها.