نفذ الاتحاد الأوروبي تهديداته المستمرة والخاصة بفرض المزيد من الرسوم الجمركية على وارداته من البتروكيماويات من دول مجلس التعاون الخليجي، اعتباراً من العام القادم 2014، ما سيحمل الصادرات الخليجية رسوماً إضافية تقدر بـ 367 مليون دولار، ويخفض بالتالي من قدراتها التنافسية في الأسواق الأوروبية، مقارنة بمثيلاتها من السلع المستوردة، وبالأخص من بلدان أوروبا الشرقية التي تتمتع بمزايا تفضيلية. لقد عرقل الاتحاد الأوروبي ولأكثر من عشرين عاماً توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون لتفادي اضطراره إلى إلغاء الرسوم الجمركية على وارداته من البتروكيماويات ومنتجات الألمنيوم الخليجية، التي يمكنها المنافسة في الأسواق الأوروبية، وذلك بفضل ما تتمتع به من أفضليات إنتاجية تتعلق بالتكاليف والقدرة التنافسية. وعلل الاتحاد الأوروبي إجراءه الأخير الخاص بزيادة الرسوم الجمركية برفع دول مجلس التعاون من قائمة البلدان النامية التي يمنحها بعض الأفضليات، ومعتبراً دول المجلس من البلدان الصاعدة الغنية سريعة النمو. ومع أن ذلك يشكل اعترافاً بالتقدم الذي حققته دول المجلس في السنوات الماضية، إلا أنه لا يعتبر مبرراً كافياً لاتخاذ إجراءات تمييزية ضد المنتجات الخليجية. والحال أن الإجراء الأوروبي يمس أهم صادرات دول المجلس بعد النفط والغاز، التي يعول عليها في التوجهات الاستراتيجية الخليجية لتنويع مصادر الدخل وتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية، إذ يتوقع أن تستثمر دول المجلس ما يقارب 40 مليار دولار في الصناعات البتروكيماوية في السنوات الثلاث القادمة. ومع أنه من حق دول التعاون الخليجي أن تفتخر بالتقدم الاقتصادي الذي حققته، إلا أن ذلك لا يعطي الآخرين مبررات لإعادة النظر في علاقاتهم التجارية مع دول المجلس، والسعي إلى فرض تعقيدات جديدة ستلحق ضرراً بالعلاقات المميزة بين المجموعتين الخليجية والأوروبية، حيث تبحث الأخيرة عن مصادر جديدة للدخل لتساعدها على الخروج من الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها. ومع أن دول مجلس التعاون بدأت في السنوات الماضية تنويع اتجاهات صادراتها مع التركيز أساساً على البلدان الصاعدة في آسيا، كالصين والهند، والتي تستوعب جزءاً كبيراً من الصادرات الخليجية من الألمنيوم والبتروكيماويات، إلا أنه في الوقت نفسه لابد من وقف التمادي الأوروبي الرامي إلى عرقلة الواردات الخليجية، علماً بأن الأسواق الخليجية تشكل منافذ مهمة للصادرات الأوروبية، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي يجازف بعلاقاته التجارية التاريخية مع دول المجلس، التي تراجعت حصتها النسبية في التجارة الخارجية الخليجية إلى أدنى مستوياتها في السنوات العشر الماضية. ومن جانبها، فإن على دول المجلس أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية صادراتها إلى الأسواق الأوروبية، حيث يتوافر لدول المجلس أكثر من خيار لاتخاذه في هذا الصدد، فأولاً يمكن رفع الأمر إلى منظمة التجارة العالمية التي تمنع قوانينها الإجراءات التمييزية في العلاقات التجارية الدولية، إذ سبق وأن رفعت العديد من البلدان، بما فيها الاتحاد الأوروبي نفسه والولايات المتحدة، شكاوى تتعلق بإجراءات تمييزية. ثانياً، يمكن لدول المجلس اتخاذ إجراءات جماعية مماثلة ضد وارداتها من بلدان الاتحاد الأوروبي، وبالأخص إذا ما مارس الاتحاد المزيد من المماطلة في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع دول المجلس، علماً بأنه من الأفضل اتباع الخطوة الأولى من خلال التوجه إلى منظمة التجارة العالمية، على أن تعقبها الخطوة الثانية في حال فشل الأولى. وفي كل الأحوال، فإن على دول المجلس في الوقت نفسه أن تعزز وجودها في الأسواق البديلة، وبالأخص في البلدان الصاعدة، حيث تسعى حالياً بصورة صحيحة إلى توقيع اتفاقيات للتجارة الحرة مع تركيا والصين والهند، وربما بعض بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية وروسيا في المستقبل. وبذلك يتوافر لدول المجلس العديد من الخيارات التي تتيح لها الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والتجارية، والتي تشكل جزءاً مهماً من سعيها الحثيث لتنويع اقتصاداتها بالاستفادة من التوجه العالمي لانفتاح الأسواق، وتحرير التجارة الدولية.