تظهر إدارة أوباما نوعاً من السذاجة الخطرة في تعاملها مع كوريا الشمالية في الوقت الراهن. فاستجابة للتهديد الذي وجهته تلك الدولة بشن هجوم على الولايات المتحدة وحلفائها، أعلن كبار مسؤولي الإدارة عن خطط بخصوص التعامل مع تلك التهديدات تقوم على "استجابة ذات طبيعة محدودة"، تجاه ذلك التحدي. ومن الصعب تصور وجود رسالة أكثر سذاجة وعدم ملاءمة يمكن إرسالها لبيونج يانج في هذه اللحظة التي يسودها عدم اليقين من هذه الرسالة. فبالنسبة لنظام مثل النظام الكوري الشمالي يمتلك سجلاً من اللامبالاة تجاه رفاهية شعبه يعتبر وعد الولايات المتحدة بـ"استجابة ذات طبيعة محدودة" فقط على استفزازات عسكرية وعداً يرقى إلى مرتبة توجيه دعوة صريحة لذلك النظام بضرب كوريا الجنوبية، واليابان، بل والولايات المتحدة أيضاً، لأن تلك الرسالة ستجعله يدرك أنه لن يواجه عقاباً ساحقاً، وإنما ضربة متواضعة ويمكن التعامل معها -مقابل كل ضربة يوجهها. ونظراً لأن كوريا الجنوبية دولة ذات اقتصاد نشط يقوم على حرية السوق ويعتمد اعتماداً كبيراً على التجارة الحرة مع غيرها من الدول، فمن الصعب أيضاً تخيل إمكانية وجود بيان سياسي أكثر زعزعة لاستقرارها من البيان الذي أدلى به مسؤولو الإدارة الأميركية مؤخراً. إن التحدي الأول لفن الحكم هو فهم المنظور التي تنظر به كافة الأمم فيما يتعلق بمصالحها ومن هنا فإن التحدي الرئيسي للاستراتيجية الأميركية تجاه كوريا الشمالية هو التعرف على دور الصين. وأوباما مغرم بالقول إن تهديدات كوريا الشمالية وميولها العدوانية "لن تؤدي إلى شيء سوى تعميق عزلتها" وهو ما لا يحدث في أرض الواقع. فعلى رغم التأكيدات السنوية من القيادة الصينية بأنها قد سئمت من سلوك بيونج يانج وهي دولة تابعة لها، فإن الواقع يقول لنا شيئاً آخر مختلفاً تماماً. فهو يقول لنا إن كوريا الشمالية قادرة على الاستمرار في الاعتماد على حليفها الأهم لأنها متأكدة من أنها مهما فعلت فإن هذا الحليف -الصين- سيفضل العازل الكوري الشمالي حتى تحت حكم أسرة "كيم" على أي عازل آخر. ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن النشاط الاقتصادي بين الدولتين آخذ في الازدهار: فالاستثمارات الصينية في قطاع التعدين الكوري الشمالي ازدهرت بشكل سريع، حيث تضاعفت بمقدار أربع مرات خلال الفترة من 2008 إلى2011. كما أن العلاقات التجارية بشكل عام بين الدولتين تضاعفت مرتين خلال تلك الفترة حيث تصل إلى 5 مليارات دولار سنوياً حالياً. وهو ما يعد نعمة كبرى لاقتصاد كوريا الشمالية الذي تقدره وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بما بين28 مليار دولار إلى 40 مليار دولار سنوياً. وليس هذا فحسب بل يقدر بعض الخبراء الاقتصاديين أن كوريا الشمالية قد بدأت تحقيق فائض تجاري اعتباراً من عام 2011. وإذن فالحقيقة هي أن بيونج يانج ليست معزولة عن شريكها الاقتصادي والأمني المهم وهو الصين. إن كوريا الشمالية لم تدفع أي ثمن لقيامها بإغراق سفينة كورية جنوبية أو قصف جزيرة كورية عام 2010. وبفضل طريقة التصريح الأخيرة بالنوايا التي اتبعتها الإدارة الأميركية كرد فعل على الاستفزازات والتصعيد الكوري الشمالي الأخير، فإن نظام تلك الدولة يمكن أن يستنتج أن رد الفعل من جانب الحلفاء مهما كان نطاق العدوان الذي سيقوم به سيظل محدوداً. وعلاوة على ذلك ليست هناك أي علامات على أن تلك الدولة تواجه خطر العزلة، ولا على أنها تواجه أي اضطرابات سياسية واقتصادية، وهو شيء افترضه الخبراء من الحزبين الأميركيين الرئيسيين على سبيل الخطأ باعتباره شيئاً حتمياً، واستبعدوا بناء على ذلك الحاجة إلى اتباع سياسة جادة تقوم على الضغط على النظام الكوري الشمالي ودفعه دفعاً لتغيير مسلكه. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـــ ـ ـ ـ جاي ليفكوفيتز مبعوث جورج بوش الابن الخاص لكوريا الشمالية لشؤون حقوق الإنسان كريستيان ويتسون نائب المبعوث ومؤلف كتاب "القوة الذكية: بين الدبلوماسية والحرب" ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»