لم يكن هناك شيء «غير معقول» فيما يتعلق بالاستجابة الدولية للتجربة النووية الكورية الثالثة في فبراير، أو الاستفزازات التي تلتها؛ لأن الأزمة برمتها كانت من صنع بيونج يانج. لكن من الممكن اعتبار النهج الصلب الذي اتخذته واشنطن وسيؤول في مواجهة الصخب وتكتيكات حافة الهاوية التي مارستها كوريا الشمالية، أقل بكثير مما يجب. نحن بحاجة إلى سياسة صارمة، وعلى كوريا الشمالية أن تدفع ثمن سلوكها غير المسؤول وتعرف أن العالم يقف موحداً تجاهها. وإبداء العزم هذا يجب أن يبدأ بالتحالف بين بالولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ويمكن أن يمتد لأمم أخرى، خاصة الصين، الحليف الوحيد لكوريا الشمالية وراعيها الرئيسي. بيد أن الصين قلقة من تخريب الاستقرار في تلك الدولة المجاورة لها، وهي تضطر على مضض لمسايرة العقوبات الدولية المفروضة على نظام بيونج يانج. وأحد تفسيرات سلوك كوريا الشمالية، يقول بأنها تسعى إلى إخافة القادة الصينيين لدرجة تجعلهم يعارضون اتخاذ أي عقوبات إضافية ضدها، في حالة قيامها بإجراء تجربة نووية ثالثة مثلا، وأنه كلما تفاقمت تلك الأزمة، أدت إلى تحسين فرص الزعيم الشاب «كيم جونج أون»، وتكريس مواقفه المتصلبة التي سيصعب عليه التراجع عنها. لذلك فالأزمة ستزيد من احتمالات سعيه لتسريع وتوسيع أنشطته النووية. نحن بحاجة إلى سياسة أكثر ابتكاراً لمواجهة احتمال نشوب أزمة أخرى، أو تدهور الأزمة الحالية بصورة خطيرة. وقد يستدعى الأمر منا فرض مزيد من العقوبات، وهذه العقوبات ينبغي أن تنتهي بعد عامين على أكثر تقدير، إلا إذا أقدمت بيونج يانج مثلا على إجراء تجربة نووية أخرى، أوتوسيع إنتاجها النووي، أو القيام بعمل عدائي يؤدي إلى خسائر بشرية. العقوبات الرئيسية التي مازال من الممكن فرضها، سوف تؤثر على التجارة البدائية والسلع الاستهلاكية البسيطة التي تتبادلها الصين وكوريا الشمالية. ومعلوم أن معظم العقوبات المتخذة ضد كوريا الشمالية تركزت على المصارف، والتكنولوجيا، والأصول العائدة لشخصيات من نخبة الحكم. والعقوبات المؤقتة تحقق عدة أهداف؛ فهي من ناحية تشكل استجابة صلبة في حد ذاتها، لكن لكونها لا تستمر للأبد، فهي تقدم حافزاً لكوريا الشمالية لتحسين سلوكها. كما أنها من ناحية أخرى تمنح إيماءة موافقة للصين بأنها كانت محقة في مخاوفها المتعلقة بخطر العقوبات الدولية ضد نظام «كيم جونج أون»، مهما كانت مبررةً. في لحظتنا الحالية قد يكون من المتأخر للغاية تحويل العقوبات الدائمة المفروضة من الأمم المتحدة إلى عقوبات مؤقتة، من دون قيام كوريا الشمالية بتقديم أي تنازلات، لأن ذلك سيكون بمثابة مكافأة لها على سلوكها. لكن ذلك يجب ألا يحول بيننا وبين السعي لنزع فتيل الأزمة. كما نحتاج للبحث في طرق أكثر عمومية لاحتواء الاتجاه التنازلي باستمرار لعلاقة بيونج يانج مع العالم الخارجي. وبالنظر إلى درجة السوء التي وصلت إليها الأمور حالياً، يجب أن نضع في اعتبارنا أنها يمكن أن تسوء أكثر إذا ما قام النظام الكوري الشمالي بإعادة تفعيل نشاطه الخاص بإنتاج البلوتونيوم، أو التوسع في قدرته على تخصيب اليورانيوم، وهو ما يخلق احتمال قيامه ببيع القنابل التي ينتجها للخارج. ورغم أن موقف الولايات المتحدة بالنسبة للموضوعات الأساسية ينبغي أن يظل حازماً، فإنها ينبغي أن تكون في الوقت نفسه على استعداد للتباحث مع كوريا الشمالية في أي لحظة. على واشنطن أن ترسل إشارات تفيد استعدادها لللانخراط في مباحثات أكثر اتساعاً مع كوريا الشمالية تقود إلى خريطة طريقة للتوصل لصفقة شاملة معها. وحالياً لا تبدي بيونج يانج سوى اهتمام محدود بإجراء إصلاحات داخليه، وهي بحاجة لتلقي تشجيع للتحرك في الاتجاه الذي سارت فيه الصين وفيتنام وتسير فيه الآن ميانمار، لإجراء إصلاحات من الداخل. وعلى الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع كوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا لتطوير استراتيجية منسقة لقيادة كوريا الشمالية في هذا الاتجاه. نظام كوريا الشمالية ليس بحاجة للتعهد مباشرة بالتخلي عن أسلحته النووية مقابل سريان مثل هذه الصفقة. لكن إذا ما كان راغباً في إيقاف إنتاج الأسلحة النووية، وتقليص قوته العسكرية تدريجياً، والبدء في إصلاح وتفكيك نظام معسكرات العمل والاعتقال العقابية على النمط الستاليني الموجود لديها حالياً. وعلى واشنطن أن توضح بجلاء أن المساعدات المقدمة منها ومن المجتمع الدولي في مثل هذه الحالة يمكن أن تمتد لتشمل مساعدات اقتصادية وفنية أوسع نطاقاً، إضافة لإبرام صفقة سلام شاملة. نحن بحاجة لإيقاد ضوء في نهاية النفق حتى لو ظل مثل هذا الضوء ضئيلاً لبعض الوقت مستقبلاً. مايك موتشيزوكي العميد المشارك لمدرسة إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن مايكل أو هانلون زميل رئيسي في معهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي إنترناشيونال»